حلقات يوميه على اليوتيوب
السعودية و إيران قرينان جيوسياسيين، متجاورين في الجغرافية و القدرات، مختلفين في نموذج الحكم و الإرادة و المواقف و المصالح، و في علاقة كل منهما بالمجتمع الدولي.
ولقد تحكم بعلاقة كل منهما بالآخر قاعدة ألاّ صراع دون تغيير و لا إستراتيجية دون صراع، مُنذ تغير نموذج الحكم في إيران من نموذج ملكي تقليدي يؤمن بالدولة الأمة، الى نموذج ديني ثوري عابر للحدود.
و قد كان و لم يزل هذا الصراع الإستراتيجي، صراعا غير مباشر و مُدار بنفس الوقت بعوامل اللادولة الدينية المسلحة وغير المسلحة العابرة للحدود، التي توظفها إيران ضد السعودية، فتواجهها السعودية بتحالفاتها الدولية.
و عادة مايُعرّف الصراع بأنه عملية تفاعلية من عدم التوافق بين طرفين( خلاف او تنافر) و يحدث حين يرغب أحد الطرفين في عمل يتعارض مع إرادة و حاجة و إلتزام الطرف الآخر.
و تشمل تفاعلات الصراع مع إحتساب عوامل الداخل و الخارج، عمليات دفع و سحب و أخذ و عطاء و تقدم و تأخر، في سلسلة مراحل لإيجاد حالة من التوازن بين الطرفين في المصالح و القُدرات و الإرادات او قلب مُعادلة الصراع لصالح أحد الطرفين، لتبدأ جولة أخرى.
و تبدأ تفاعلات الصراع عادة أول ما تبدأ في فضاء القيم و المعايير و المواقف و تكون كامنة في مرحلتها الأولى ثم تتحول الى ساحة الميدان فتكون مُعلنة و مصحوبة بالعنف.
و تشمل عناصر الصراع المشتركة بين الطرفين معايير و قيم و مصالح مُختلفة و مُتعارضة في لعبة صفرية، و لولا إنه صراع غير مباشر و مُدار بعوامل اللادولة من جهة، و بالتحالفات الدولية من جهة أخرى لخرج عن السيطرة، في أخطر منطقة جيوسياسية.
و يُشكِّل إعتقاد الطرفين إن الطرف الآخر يستهدفه، عنصر مهم من عناصر الصراع الإستراتيجي بين إيران و السعودية، و يتجلّى هذا الإعتقاد بعمل مُعادي بين الطرفين، و يؤكد الإعتقاد حالات عداء ماضية مصحوبة بشعور بالتفوق على المقابل و رفض في تبعية أحد الطرفين للآخر.
و أما مراحل الصراع فتبدأ في مرحلتها الأولى بشعار : نحن و هم: ثم ينتقل للميدان في صراع عنيف و سعي مُتبادل لكسر الإرادة، ثم يصل في مرحلته الثالثة الى طريق مسدود.
فإمّا تتغير المُعادلة لصالح أحد الطرفين كما حصل في البحرين عام 2011 مثلاً لصالح السعودية، او لبنان لصالح إيران عام 2005، او يدخل الصراع مرحلة الإستنزاف كما حصل في الحرب العراقية الإيرانية سابقاً او في الحرب اليمنية اليوم.
ثم يدخل الصراع مرحلته الرابعة و هي مرحلة البحث عن التسويات عن طريق طرف ثالث و هو عادة طرف دولي، كما حصل في إتفاق وقف إطلاق النار في الحرب العراقية الإيرانية، او كما تتوجه اليه الأحداث الان في الحرب السورية و حرب اليمن.
و إذا كان هذا هو شأن الصراع، تعريفاً و عناصر و مراحل، فان إستراتيجية الصراع تعني أن يُعرف الطرفين نفسه و عدوه و الزمن، لتحقيق النصر دون أخطار، بالتركيز على الترابط بين قرارته و قرارت عدوه.
فيحسب أحدهم موارده و تحالفاته و إتجاهه و إتجاه بوصلة الأحداث و كيفية الوصول لهدفه ولو طال الصراع و اي الملفات و المناطق تستحق ان تكون ضمن أولويات عملية الصراع.
و من عناصر الإسترايجيات المُشتركة بين ايران والسعودية إن إيران ترفض التبعية للسعودية و ترى نفسها ضمن رؤيتها مركزاً للعالم الإسلامي (أم القرى).
و تشمل هذه الرؤية 25 دولة ضمن ما تسميه (حوزة إيران الحضارية)، و ترى في السعودية جزءاً من محيطها الإستراتيجي، في الوقت الذي ترفض السعودية هذه التبعية وهذه الرؤية غير الواقعية، و ترى في إيران نموذجاً معادياً ليس للسعودية فحسب بل لأُسس السياسة الدولية.
و من هذه العناصر أيضا، نجد إن اإيران نموذج ثوري ديني إستقطابي طائفي تدّخُلي عابر للحدود الوطنية، بينما نرى إن النموذج السعودي نموذج ملكي تقليدي مُعتدل يؤمن بالدولة الأمة و بسياسة عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.
و من عناصر إستراتيجية الصراع المشتركة بين إيران و السعودية إن إيران تعتمد سياسة التحالُفات مع العوامل غير الدولتية من جهة و بسياسة التفاوض مع المجتمع الدولي من جهة أخرى لفرض نموذجها. و إيران اذ تنسج على هذه الإستراتيجية، فإنها تستفيد من حاجة المجتمع الدولي العملية لها، حتى تنتهي هذه الحاجة في يوم ما، فتنقضُّ عُرى إيران.
في الوقت الذي تعتمد فيه السعودية على بناء تحالفات إقليمية و دولية، تمثلت في مجلس التعاون الخليجي ثم التحالف الرباعي و التحالف العربي و التحالف الإسلامي و التحالف الدولي.
و بعد أربعين سنة على هذا الصراع الإستراتيجي فشلت إيران في بناء أي نموذج سياسي او إقتصادي و هي من سيئ الى أسوأ، خاصة و قد دخلت في حقبة 05/11/2018.
فإيران تنوء اليوم بحزم عقوبات إقتصادية فرضتها إدارة ترمب، في وقت دخلت السعودية في مرحلة الخروج من حقبة ال 1979 ضمن رؤية 2030. و لأن صراع الطرفين الإستراتيحي هو صراع مُدار بعوامل اللادولة و بالتحالفات الدولية، فإن عوامل اللادولة تواجه عقوبات ترمب التي تستهدف مواردها و إرتباطاتها بالحرس الثوري، في وقت باتت الإستراتيجية الأميركيه تستهدف نظام و محور إيران الإقليمي و علاقاتها الدولية.
و حتى يضع صراع الطرفين أوزاره، فإن الطرفين يواجهان تحديات رئيسية، يتمثل أهمها في تجاوز الفاصلة التاريخية التي تمر بها المنطقة، والتي تُحتم الإنتقال من عالم اللادولة الى عالم الدولة و في الإنتقال من مرحلة الصراع المسدود الى مرحلة التسويات الدولية.
كما إن الإصلاحات الهيكلية في منظومات الإقتصاد و السياسة و الاجتماع عند الطرفين باتت مفروضة على الطرفين، من الداخل والخارج. فإن لم يقُم بها الطرفان من الداخل تعرضوا لها من الخارج، و هو ما نلحظه في الجانب السعودي الذي دخل مرحلة بناء سعودية رابعة، في حين يغيب ذلك في إيران التي تصر على نموذجها القروسطي.
الكاتب د.عمر عبدالستار محمود