حلقات يوميه على اليوتيوب
تستبعد هذه الورقة البحثية القصيرة أي مواجهة عسكرية محتملة بين إيران و أميركا، قبل إنفراط عقد الحرس الثوري، و عودة إيران للبند السابع، و فقدان إيران القُدرة على شن حرب خارجية.
كما تؤكد هذه الورقة إن عقوبات ترمب ضد إيران و وكلائها تستهدف تفكيك البُنية التحتية لأذرع الحرس الثوري في هلاله الإقليمي تمهيداً لإيجاد حُلفاء محليين للتحالف الدولي.
و إنّ دمشق و هي واسطة محور المقاومة الإيراني، قد تكون أول العواصم الأربعة(طهران، بغداد، دمشق، بيروت) لإنفراط عقد الحرس الثوري، تمهيداً لسيناريو يشبه سيناريو لُبنان ١٩٨٢.
و حتى ذلك الحين الذي قد يُمهد لخروج إيران من سوريا، فإن العراق قد يبقى بعيداً عن أي صدام محتمل بين وكلاء إيران و أميركا، و بخلاف بيروت و طهران، فبغداد و دمشق و لإسباب بنيوية هما ساحة المواجهة المحتملة.
و فيما تفترض الورقة أن عقوبات ترمب تستهدف بنية الحرس الثوري الإجتماعية تمهيداً لخلق حُلفاء محليين، فمشكلة الورقة تتركز في البحث عن أثر عقوبات ترمب ضد أذرع الحرس الثوري، و تتسائل الورقة عن الأسباب التي تجعل من دمشق أول العواصم و بغداد ثانيها في أي إشتعال محتمل لشرارة المواجهة.
و ترى الورقة أن التناغم و التوتر و الأزمة و النزاع شؤون حيوية ديناميكية تتطور حسب الزمان و المكان و الأحداث، و ليس كل توتر يؤدي لأزمة و لا كل أزمة تدفع الى نزاع بالضرورة.
ففي أي بيئة إجتماعية أو سياسية هناك عوامل ثلاث تتحكم بتطور حالة التناغم الى نزاع و بالعكس،فهناك عوامل بنيوية تُغذي النزاع (تهميش، إرهاب، إنهيار قيم، نُدرة موارد) و عوامل وسيطة تتحكم بتطور المراحل ( برامج إصلاح حكومية، منظمات مجتمع مدني) و عوامل مباشرة تؤجج او تقدح الصراع( سلوك حكومي عنيف ضد أحد المكونات، سلاح مُنفلت، ضغط إقتصادي غير محتمل).
فعندما يصل ضغط عقوبات ترمب على وكلاء إيران الى مستوى غير محتمل، يصل السُخط الشعبي في بيئة الحرس الثوري الى مستوى غير محتمل أيضا، فتنفجر البيئة المجتمعية الى أن يكون بعضها مع/ضد وكلاء الحرس الثوري( إنتفاضة البصرة ٢٠١٨، إنفجار غضب الناس أثر فاجعة عبارة الموصل ٢٠١٩).
و وفق هذا التنظير ترى الورقة أن الظروف المحلية و الإقليمية و الدولية قد نضجت او تكاد في سوريا الواقعة تحت هيمنة حُلفاء الضرورة ( إيران و روسيا) لإنفجار مُحتمل.
و قبل الحديث عن الأسباب التي تدفع لإنفجار مُحتمل في سوريا قبل العراق، لابد للورقة من مقدمة ضرورية عن السياسة الأميركية ضد إيران اليوم.
إنّ سياسة أميركا ضد نظام إيران اليوم تكاد تشبه سياسة أميركا ضد نظام صدام حسين، و جوهر هذه السياسة هو خلق مستوى من التوتر (قلق يسبق الازمة) يصل مستواه الى درجة الأزمة(تحوّل مُفاجئ يُمثل تهديداً و يتطلب قرار عاجل) المؤدية للصدام المُسلح إعتماداً على سلوك العراق سابقا و إيران حاليا.
و مُقارنة سريعة لصيغة قرار مجلس الأمن ١٤٤١ في ٨-١١-٢٠٠٢ ضد العراق، و صيغة قرار مجلس الأمن ٢٢٣١ في ١٤-٧-٢٠١٥ ضد إيران التي قد تعود للبند السابع بعد أن خرجت منه بلا حرب، تؤكد إن سياسة أميركا ضد إيران تشبه سياستها ضد نظام صدام حسين.
لذلك ترى الورقة ان إنتقال العلاقة بين إيران و أميركا من درجة الازمة الى الصدام المسلح، يعتمد على سلوك نظام إيران الذي يخوض حرب إستنزاف في أربعة عواصم و هو يواجه بنفس الوقت عقوبات إقتصادية غير مسبوقة.
و المُتابع لسلوك إيران ضد عقوبات ترمب يجد فيه عناداً و إستعداد لقمع أي إنفجار مُحتمل في بيئة هلال الحرس الثوري الإقليمي( تصريح قادة الحرس، إستدعاء بشار لطهران، زيارة روحاني لبغداد، لقاء قادة أركان إيران و العراق و سوريا بيشار) و هي توظف بنفس الوقت الغضب الشعبي ضد إدارة ترمب، مرة بسبب عقوباتها، و أخرى بسبب حربها لمحور المقاومة.
و بِعنادها و إستعدادها تمنع إيران أي بلد في هلالها الإقليمي او مكون او جماعة من التحول الى عدو مستقبلي، و تربطها بمصير نظام إيران إستمرار او إنهيارا، جاعلة من نظام إيران حجر أساس في اي قرار يصدر من عواصم هلالها، يخص الشان المحلي او الإقليمي او الدولي.
و رغم تطبيع و تطويع إيران للشارع السني و ضبطها للشارع الشيعي، تبقى أرض العراق و سوريا أرض ملغومة تحت أقدام إيران القلقة من سياق دولي و إقليمي مُعادي لها و من السياسة الأميركية الغامضة ضدها في العراق و المنطقة، كما يقول (حسن دنائي فرد) سفير إيران الأسبق في العراق.
و لو قارنا العواصم الأربع طهران و بغداد و دمشق و بيروت، لوجدنا أن إحتمالات الصراع ببغداد و دمشق ارجح كثيراً من بيروت و طهران، لوجود أميركا في العراق و روسيا في سوريا.
كما إن من أسباب عدم إنفجار ألغام بغداد بعد دمشق، إن بغداد عاصمة حليفة للتحالف الدولي بعكس دمشق، و بها عملية سياسية دولية بعكس دمشق المعاندة للحل السياسي، و عدم جهوزية أي حليف محلي شيعي او سني ضد وكلاء إيران .
و دون إخراج إيران من سوريا و تمكن أميركا من دق أسفين في العراق بين أيران و روسيا و منع تواصل بغداد مع إيران و سوريا، فإن اي مواجهة مُحتملة في العراق ستبقى مؤجلة.
و تأجيل المواجهة في العراق قد تكون في صالح إيران و أميركا، يُعززها وجود قواعد أميركية في العراق تسعى إيران لإخراجها، لكنها تتساوم بالتهدئة في العراق تركيزاً على سوريا و نهبا للعراق.
ف(حلب) العراق في هذه المرحلة لمقاومة العقوبات من جهة، و التركيز على إستمرار هلالها و حماية واسطة عقدها و رأس حربة محورها سوريا، حاجات لا غنى لإيران عنها رغم خطورتها، و لذلك إستدعى الحرس الثوري بشار و أرسلت روحاني لبغداد.
أما الأسباب التي تجعل من سوريا اول العواصم إشتعالا، فسوريا ليس أرضا حليفة لأميركا، و خسائر اي معركة هناك لن تكلف أميركا او حلفائها شيئاً(و من هنا كان قرار ترمب بالإنسحاب من سوريا)، و تفكك بيئة الحرس الثوري هناك قد أمست قاب قوسين او أدنى، كما إن اي معركة لن تتسبب في هجرة جديدة.
و إضافة لندرة الموارد في سوريا التي تُهيمن عليها إيران و روسيا، و عقوبات أميركا ضد نظام بشار، و دليلها الغضب الشعبي و التعفيش اليومي لمليشيات بشار، و وعوامل التأجيج بضم الجولان و خطاب بومبيو ضد حزب الله، و صفقة القرن التي ستُعلن الشهر القادم.
و غني عن البيان دخول إسرائيل للمعادلة السورية و إستهداف قطعات مليشيات الحرس الثوري حماية لأمنها من صواريخ الحرس الثوري، التي قد تعد في المرحلة القادمة من أكثر الأسباب التي قد تشعل فتيل المواجهة.
و قد وصل التنسيق الروسي الإسرائيلي مستوى غير مسبوق بتوقيع وثيقة مكتوبة لتجنُب اي صدام مُحتمل بين الطرفين في الفترة القادمة، و خاصة بعد إنتهاء عهد داعش الذي قد يُشعل الحرب بين الخصوم الإستراتيجيين الذين جمعتهُم الحرب على داعش.
و لن يكون موقف الروس في أي صدام مُحتمل في سوريا، بين سوريا الموالية لإيران و المُعادية لها، أكثر من موقف الروس مع كل أرباب المقاومة ضد إسرائيل من عبد الناصر لعرفات لصدام حسين، فالروس عاجزون عن الدفاع عن حلفاء الضرورة، و قد إعتادوا أن يتخلوا عن الحلفاء في اللحظة الأخيرة.
و إيران في المعركة السورية المُنتظرة ليست أكثر من كرة قدم بين خصم أميركي و حكم روسي، تم إستهدافه بالإسلام الجهادي في النموذج الأفغاني، و هو يستعد اليوم للثأر من هذا الخصم الإستراتيجي بتنسيق مع خصوم إيران و أميركا و إسرائيل و كذلك العرب، و على نفسها جنت براقش.
كما إن سياسة أميركا تجاه إيران التي تتشابه مع سياستها ضد نظام صدام، تُركز اليوم كما ركزت في حرب الخليج الأولى على إبعاد روسيا عن إيران و إدخال العرب في مُعادلة المواجهة ضد إيران (القمة العراقية الأردنية المصرية) و إيقاف التقارب العربي مع نظام بشار و تشجيعه مع بغداد.
و قد تكون الفترة من تموز ٢٠١٩- تموز ٢٠٢٠، فترة حرجة جداً لإيران في وقت تقوم فيه بصياغة هيكلية جديدة لنظامها قد يتبوأ الحرس الثوري رأس السُلطة، و هو يُراهن على خسارة ترمب لإنتخابات الرئاسة التي تنطلق حملتها في تموز ٢٠٢٠.
و في إنتظار إنتهاء المُهلة الأميركية في عقوبات النفط الإيرانية بعد آيار القادم، فإن براين هوك قد أعلن عن تشكيل مجموعات عمل عربية أوروبية إسرائيلية لمواجهة إيران في البحار ( قرار مجلس الامن ١٩٢٩ في ٢٠١٠ تحت البند السابع الذي قد تعود له إيران لاحقاً).
وقد جاء لقاء ترمب بنتنياهو في واشنطن وقد التقى نتنياهو ببوتين في وقت سابق، ليؤكد التنسيق الاميركي الروسي الاسرائيلي عالي المستوى في سوريا، وقد شهدت عدة إتفاقيات ثلاثية دولية لم يكن نظام الأسد ولا إيران من ضمنها.
وهذا قد يكون تمهيداً للمرحلة القادمة من المواجهة مع محور المقاومة، وقد حذرت روسيا بعد ان وقع ترمب قرار أميركيا بضم الجولان لإسرائيل، من موجة عنف جديدة في الشرق الأوسط.
و المُجتمع الدولي اليوم وهو ينتظر تطور الموقف في سوريا وطريقة رد فعل إيران، فإنه ينتظر من إيران ايضا قبولها او رفضها لإتفاقية الفاتف قبل تموز القادم.
وقبل أن يحل تموز القادم، فإنّ بريطانيا و المانيا و فرنسا قد رفعت و لأول مرة مُنذ توقيع إتفاق لوزان، شكوى لمجلس الأمن ستعرض في حزيران القادم، بسبب إنتهاك إيران للقرار ٢٢٣١، مما قد يفتح الباب لتداعيات عودة إيران للبند السابع.
الكاتب د.عمر عبدالستار محمود