إيران بعد 2018/11/05
حلقات يوميه على اليوتيوب
رغم أن خامنئي يبشِّر نفسه و من معه في حسابه على تويتر، أن أميركا غير قادرة على أن تفعل شيئاً ضد إيران، لأنها لم تعد أميركا التي نعرفها قبل 40 سنة، فإنه يتجاهل الحقيقة.
يتجاهل الحقيقة التي تقول : إن أميركا التي جاءت بخميني للسلطة قبل 40 سنة لأسباب واقعية، و إن إختلفت عن أميركا قبل 40 عاماً، تُريد اليوم أن تُزيح ثورته عن السلطة لأسباب واقعية أيضا.
فخامنئي يتجاهل الواقع الإيراني الذي بات اليوم حاملاً بإيران أخرى غير إيران التي يُريد، بعد أن إنتفضت ضد ثورته، أغلب مُدن إيران في نهاية 2017، و باتت إيران تنتظر موجة إحتجاجات قادمة بعد الخامس من تشرين الثاني 2018.
كما إن حركات التحرُر الوطني الإيراني التي قمعتها سُلطة ولاية الفقيه قبل 40 عاماً، عادت تهدده و تتمرد عليه في الاحواز و بلوشستان و كوردستان، فضلاً عن مُجاهدي خلق التي إحتلت المكانة الدولية التي كان قد إحتلها خُميني قبل أن يصل الى السلطة.
و ليست أميركا بعد الخامس من تشرين الثاني 2018 غير أميركا قبل 40 عاماً فحسب، بل إيران بعد الخامس من تشرين الثاني 2018، هي غير إيران قبله ، اذ عادت الى المربع صفر الذي كانت عليه قبل رفع العقوبات عنها في كانون ثاني 2016 التي دخلتها منذ 2006.
و رغم إن ترمب و لأسباب موضوعية قد منح إستثناءات مؤقتة، لبعض الدول في إستيراد النفط من إيران، فإنه يقود حربا عالمية ليس لمُعاقبة إيران فحسب، بل لمُعاقبة من يتواصل مع إيران ايضاً، لعزل إيران عن العالم، مما ادى لتفكُك تحالُفات إيران الإقليمية و الدولية.
فقد تفككت تحالُفات إيران الدولية و الإقليمية، فروسيا اليوم هي غير السوفيت قبل 40 عاماً، اذ وجدت أميركا أن خميني بات واقعاً مفروضاً على إيران بعد أن ثار الشعب الكاره للغرب ضد الشاه، و لمنع السوفيت من الوصول للخليج، على أبواب سقوط المنظومة السوفيتية.
و روسيا اليوم قد تبيع رأس خامنئي في سوق النخاسة الدولي، مُقابل مكانة دولية يحلم بها بوتين مع العم سام في ترويكا دولية قادمة مُحتملة.
و الصين التي قد يحلُم خامنئي ان تسنده في يوم شدته، قد حيّدت كيم جون اون، آخر حُلفاءه المارقين دولياً، اذ دفعته الى إتفاق نووي مع العم سام، كما إن فنزويلا و بقية دول أميركا اللاتينية التي تناغمت مع ثورة إيران في طريقها للتوجه بعيداً عنها.
و اوروبا التي أسفتْ لدخول إيران حقبة عقوبات الخامس من تشرين الثاني 2018، و حاولت أن تجد لإيران حلحلة من عقوبات ترمب، وضعت دوائر إستخباراتها نظام إيران في قفص إرهاب القرون الوسطى، بعد إحباط هجماتها ضد معارضين إيرانيين في الدانمارك و فرنسا أخيراً.
و ليس هذا فحسب، بل إن إيران التي دخلت حقبة عقوبات الخامس من تشرين الثاني 2018، قد باتت بجناح واحد، بعد أن تم قصقصت أجنحة القاعدة وداعش والإخوان، التي تمددت بوجودها مليشيات إيران بنموذج الاستقطاب الطائفي.
إن ممّا يجعل حقبة ما بعد 05/11/2018 تختلف عما قبلها، أن إرهاب نموذج و منظومة و عقلية عوامل الإسلام السياسي و الجهادي العابرة للحدود الوطنية، قد أصبحت الهدف الأول للمجتمع الدولي و الأقليمي و المحلي.
و رغم إن عوامل الإسلام السياسي و الجهادي هي سبب تمدد إيران الإقليمي، فقد باتت نفس هذه العوامل، هي سبب سقوط ولاية الفقيه المُحتمل، كما جرى ذلك للسوفيت من قبل.
و قد بات العالم يُدرك إنه يعيش حُقبة ماقبل الحرب العالمية الثانية، التي تمادت فيها نازية هتلر العابرة للحدود في اوروبا بعد معاهدة ميونيخ 1939،كما تمادى إرهاب ولاية فقيه إيران في الشرق الأوسط بعد لوزان 2015.
خاصة بعد أن أمسى التمدد الإيراني مُكلفا، اذ لم تعد مواردها تكفي لسد متطلبات طموحها الجنوني فحسب، بل إن إنفتاح اوباما عليها في سوريا قد أدى الى كفر الناس بفكرة ولاية الفقيه الدموية.
كما إن إنفتاح اوباما على إيران، قد أدخل عليها إسرائيل بقضها وقضيضها، فحصدت إسرائيل في المنطقة العربية ما زرعته إيران، و باتت إسرائيل أقرب للعرب من اي وقت مضى، خاصة بعد زيارته الأخيرة لمسقط، في مُستهل زيارات محتملة قادمة.
إن شملَ و أمرَ إيران بعد الخامس من تشرين الثاني 2018، سيكون مهدودا، في مخالفة لرغبة رئيسها روحاني الذي يقول، ليس أمامنا سوى الإستسلام او مواجهه العقوبات مُتفرقين او مُتوحدين.
و انّى لإيران مواجهة عقوبات ترمب و امرها شدد، بعد أن فقد المواطن الإيراني ثقته بالنظام، و إنهارت عُملتها و تفشت فيها البطالة و إرتفعت إسعار المواد الغذائية و طار الدولار بعد منعه من دخول إيران.
و ماعادت إيران تُصدر نفطاً الّا لتحوز غذاءاً تحت إشراف الامم المتحدة، كما تقول واشنطن تايمز اليوم ، او كما قال قبل أسابيع مُقرر الامم المتحدة ادريس الجزائري، ربما كما كان العراق في تسعينيات القرن الماضي.
و رغم إن سيناريو عراق ما بعد الكويت قد يكون من اكثر السيناريوهات التي تنتظر إيران بعد 05/11/2018، سواء بشروط بومبيو الاثني عشر ، او ببرنامج النفط مقابل الغذاء، لكن مهما كانت السيناريوهات الاخرى التي تنتظر إيران، فكل الطرق مسدودة أمام إيران، الا طريق ترمب الدولي.
فإيران اليوم لم تعد اليوم قادرة ربما على نقل المعركة الى خارج إيران كما تعودت أن تفعل في كل مرة منذ 1979 الى 2018 مروراً ب 09/11 و 2005.
وترمب الذي نقل الحرب للداخل الإيراني بالإنسحاب من النووي و فرض على إيران 12 شرطاً، ليس اوباما الذي عاقبها في الملف النووي و إنفتح عليها في الملف الإقليمي.
فتمدُد إيران الإقليمي الذي جاء بإنفتاح اوباما عليها منذ إنسحب من العراق في 2011، و جعلها تغزو سوريا، كما غزا صدام الكويت بإنفتاح أميركا عليه، قد أسقطها في فخ ليس منه خلاص الا بقبول زلزال لوزان على مقياس ترمب البالغ 12 درجة.
و على نفسها جنت براقش إيران التي فشلت في منع إلتقاء مُراد المجتمع الدولي مع مُراد شعوب إيران، التي كانت تكره الأجنبي قبل وصول خميني، فأمست تتوق للخلاص من عذاب ولايته الإرهابية و لو باللقاء مع مُراد المجتمع الدولي.
إن سبب عُزلة إيران اليوم و غُربتها و تناقُضها مع الدولة الوطنية و المجتمع الإقليمي و الدولي، هو غُربتها و تناقُضها مع الدين و الدولة و هي تعيش القرن الواحد و العشرين بعقلية و منظومة القرون الوسطى.
و رُبما ستجد إيران الحامل بإيران جديدة في حقبة ما بعد 05/11/2018، أن مُغادرة العقلية و المنظومة الثورية الدينية و القومية، و العودة للدولة الوطنية و النظام الدولي و الإقليمي، هو الطريق الوحيد المفتوح أمامها نحو المستقبل.
الكاتب د.عمر عبدالستار محمود