حلقات يوميه على اليوتيوب
الثورة إنكسار مؤقت لإحتكار الدولة للسلطة،لكنه إن طال أمده، فقد يشبه تمرد البحّارة على الربّان الذي ينتهي بكارثة، كما يقول أفلاطون.
“فالبحّارة يدّعون أن لكل منهم حق القيادة دون أن يتعلموا هذا الفن، فيُصاحب ذلك تصارع و إقتتال، ثم بعد نجاحهم تنفذ المؤن و ينحرف مسار السفينة”.
“و قد ورث أرسطو هذا الموقف تجاه الثورة من أستاذه أفلاطون، فخلص إلى أساليب الوقاية من الثورة و ضرورة الحفاظ على كيان الدولة”.
“فالثورة عن أرسطو لا تزيد على كونها شراً لابد من الإحتراس من بداياتها، فالأخطاء تكمن دائما في البدايات التي يؤدي التهاون معها إلى إنفلات الأمور”.
“و من هنا تشدد الفلسفة السياسية لأفلاطون و أرسطو على وجود مسافة بين المثال النظري و الواقع العملي”، أي بين الدوافع و المصالح، فالدوافع لا يمكن قياسها بعكس المصالح.
لكن ماركس كما خُميني حاول أن “يطوي المسافة بين المثال و الواقع” ففشلوا، فبقيت أفكارهم قبل و بعد الثورة تتسم (بالغموض المفاهيمي)، ففشلت عملية جمع المثال مع الواقع فسقط السوفيت و ولاية الفقيه على دربه.
فكما قام غورباتشوف بعد فشل جمع المثال مع الواقع، بإعادة البناء (البروسترويكا و الغلاسنوسنت) فحول روسيا بذلك الى دولة لكن بعد سقوط السوفيت، يقوم بيت المرشد الإيراني اليوم ببروسترويكا إيرانية مشابهة قد تنتهي بنفس الطريقة.
فبعد دخول إيران حُقبة عقوبات ترمب في ٥-١١-٢٠١٨ ، قام بيت المرشد، بالتخطيط لمرحلة ما بعد خامنئي، و الإعداد لتشكيل مجلس قيادة من خمس أفراد.
و على أبواب قمة وارسو، و مع دخول ثورة إيران عامها الأربعين، أعلن رئيس البرلمان الإيراني، علي لاريجاني، خلال جلسة لمجلس محافظة قم، أن خامنئي أوصى بإجراء إصلاحات هيكلية في البلاد خلال الأشهر الأربعة المقبلة.
و قد يُمثل هذا التوجه، عملية إنقلاب داخلي ناعم، يأخذ شكل إصلاحات هيكلية، لكنه سوف يُزيح رأس النظام و يغير شكل نظام إيران رأساً على عقب.
و من المؤكد أن هذه التغييرات الهيكلية ستمس صلب النظام المزدوج العابر للحدود، فتجعل منه و لأول مرة مُنذ أربعين عاماً، نظاماً غير عابر للحدود.
فالحرس الثوري يُدرك اليوم إن عليه أن يُزيح خامنئي و يُغير طبيعة النظام، لإمتصاص السُخط الداخلي و الخارجي، ليبقى و يستمر يحكُم في ظل الحملة الدولية الكبيره عليه.
كما إن المجتمع الدولي يُدرك أن لدى النظام مُعضلات جمة، من هويات مقموعة و موارد مُستنزفة و فجوة واسعة بينه و بين قاعدته الشعبية، و حركات تمرد مسلحة؛
و هي أسباب جعلت من هذا النظام قنبلة مؤقوتة قد تنفجر في ظل عقوبات و تصعيد دولي، فيتكرر في إيران سيناريو أسوأ من سوريا الذي هزّ النظام الدولي، و هذا ما يحاول المجتمع الدولي تجنّبه.
و قد تلتقي مصلحة الحرس الثوري الذي يسعى لإصلاحات هيكلية من أعلى الى أسفل، مع مصلحة المُجتمع الدولي الذي يسعى لتغيير من أسفل الى أعلى، في عدم إنفجار النظام الإيراني و في إزاحة خامنئي و في إنتقال إيران من الثورة الى الدولة.
لكن كُلفة عدم إنفجار النظام باهظة أيضا، اذ قد تقتضي إلتقاء مسار من أعلى الى أسفل الإيراني مع مسار من أسفل الى أعلى الدولي، لتجمع النقيضين، و جمع النقيضين من طبائع السياسة التي قد تحول الثورة الى دولة.
و للمفارقة، فجمع النقيضين لوقف الفوضى يجري على قدم و ساق في البلاد التي تشهد فوضى في المنطقة.
من إيران التي قد يجتمع فيها ما قبل و ما بعد ١٩٧٩، لأفغانستان التي قد تجمع طالبان بما بعد ٢٠٠١، للعراق الذي قد يجمع ما قبل و ما بعد ٢٠٠٣، لسوريا أيضا بما قبل و ما بعد ٢٠١١.
و الخيط الناظم لجمع النقيضين هو أولاً، في تخلي أنظمة و مُعارضات هذه البلاد عن العقليات و المنظومات الدينية الثورية العابرة للحدود؛
و ثانيا، في تخلي المجتمع الدولي عن التعامل مع أجهزة إيران الموازية من حرس و مرشد و خُبراء قيادة و غيرها التي كانت من أسباب إستمرار نظام إيران حتى اليوم، و دفع هذه المنظومات لتفكيك نفسها و اللحاق بالدولة.
و السؤال هل هناك دولة يمكن العودة اليها في إيران، و اذا كانت هناك دولة، فكيف تعود الأجهزة الموازية للدولة و هي عدو للدولة، و هل يتخلى الحرس الثوري و هو أهم جهاز موازي للدولة عن نفسه؟
و الجواب قد يكون (نعم) ، فعمامة الولي الفقيه الذي بلغ من العمر عتيّا، و تتبع له سلطات هذه البلاد، ليست الا أحد أضلاع شخصية الولي الفقيه، التي جمعت العمامة و الشاهنشاهية و شخصية رجل الأعمال.
و في ظل رفض المجتمع الدولي لهذه العمامة و لثورتها العابرة للحدود، و تجنب إنفجار نظام إيران من الداخل، يمكن للحرس الثوري أن يتخلى عن عمامة الولي الفقيه؛
يتخلى عن العمامة و يبقى الحرس الثوري مُكتفياً بالشاهنشاهية و بدلة رجل الأعمال، التي قد تفتح المجال للقاء مع المُعارضة الإيرانية بدعم المجتمع الدولي.
و تخلي الحرس الثوري عن الولي الفقيه، إنقلاب داخلي قد يفتح عليه أبواب جهنم من جماعات الداخل الإيراني المؤمنة بثورة إيران.
لكن الحرس قد خبر الفوضى الخلاقة منذ ١١-٩، و قد يكون قادراً على التعامل معها، او التورط فيها و دخول إيران حُقبة فوضى خلاقة.
و قد يقول قائل أن الولي الفقيه هو رئيس الدولة، و القائد الأعلى للقوات المسلحة، و هو من يُعيّن رؤساء السلطة القضائية و يختار نصف المسؤولين الذين يقررون خوض الإنتخابات؛
و أن لديه الكلمة الأخيرة في جميع المسائل المهمة للدولة، المحلية و الدولية، حيث يفوق نفوذه صلاحيات الرئيس أو البرلمان؛فكيف سيتمكن الحرس الثوري من إزاحته؟
و الجواب أن الحرس الثوري هم عماد الولي الفقيه الذي يمسك به كل المفاصل، و الحرس هو الوحيد القادر على إزاحة الولي الفقيه بمجلس قيادة او بغيره ، إستجابة لضغط ترمب او ضغط الشعب.
خاصة بعد أن ضاق العالم و شعوب إيران ذرعاً بثورات دينية مثل ثورة إيران، فعمامة الولي الفقيه تجاوز على الدين و الدولة، فهي تقود بإسم الإمام الغائب و تُزيد على النبوّة، اذ أن النبوّة إنتهت لكن الإمامة إتصلت.
فحُكم ولي الفقيه “إلهي”، حتى قال بلير، “ليست إيران دولة لها عقيدة، بل عقيدة لها دولة”، و قد أدت الى فوضى و حروب مُنذ وصل الولي الفقيه للسلطة حتى يوم الناس هذا.
فلم يعد هناك من حل أمام النظام الدولي، الا بزوال الولي الفقيه نائب (الإمام الغائب)، و من هنا جاء توجه قادة إيران لمجلس قيادة يحل محل خامنئي، بعد أن وضع ترمب مسدسه على راس خامنئي.
إن إيران من أقدم الدول القومية في العالم، و هي بلد مهم جيوسياسيا في المنطقة و العالم، و التحالف الدولي مهتم اليوم بعودة إيران للدولة، التي لم تكن لها مشاكل مع كل دول العالم قبل ١٩٧٩.
و قد شخّص المجتمع الدولي اليوم ما فشل في تشخيصه طوال أربعين عاماً، من أن مُعضلة إيران في سياستها الخارجية، سببه نظامها الداخلي الذي يجب أن يتغير، لتتغير سياسة إيران الخارجية.
و كما إن العالم فشل في تشخيص مُعضلة إيران، فقد فشلت ثورة إيران في محو هوية إيران الوطنية، و في تفكيك دولة إيران ما قبل ١٩٧٩، و هي تعيش اليوم شيزوفرينيا تأريخية بين ثورتها الدينية و هويتها الوطنية.
يُضاف لها أن ثورة إيران فشلت أيضا في بناء نموذجها الثوري، فصرحها الآن يتداعى، كما إنها أفقر اليوم مما كانت عليه قبل أربعين عاما، و لها مشاكل مع أغلب دول العالم،
إن إيران الثورة لم تتمكن من الإستجابة لمطالب شعبها كسلطة دولة لأنها ليست دولة أُمة، كما لم تتكمن من التعامل مع المجتمع الدولي لنفس السبب، و لابد أن تعود دولة أُمة.
كل ذلك يدعو إيران الثورة كما يدعو المجتمع الدولي الى غلق نموذج نظام الثورة المزدوج و فتح نموذج الدولة.
و ألف تحية و تحية لثورة سوريا التي كشفت زيف ثورة عمامة ولي إيران الفقيه للقاصي و الداني، و ردّتها على أعقابها خائبة ولو بعد خراب البصرة.
الكاتب د.عمر عبدالستار محمود