حلقات يوميه على اليوتيوب
تتمثل محاور الصراع في العلاقات الدولية في تناقض المصالح أو القيم بين أطراف الصراع، و شمول الصراع للأفراد و الجماعات و الدول.
و صراع الأفراد الدول و الجماعات في الشرق الأوسط يدخل اليوم في لحظة فاصلة على أبواب أربعينية ثورة إيران، بعد إدراك الدول والجماعات تناقض مصالحهم وقيمهم مع إيران، وتقاربها المحتمل مع (إسرائيل)، التي يبدو أنها اصبحت رأس حربة ضد مليشيات إيران.
رأس حربة ضد مليشيات نظام وهلال إيران (الديني)، بعد أربعين سنة من ثورة إيران، بعد ان كانت اسرائيل رأس حربة ضد أفراد وجماعات ودول الهلال القومي العربي.
كما يدخل هذا الصراع لحظته الفاصلة على أبواب أربعينية مؤتمر وارسو الذي دعيت له إسرائيل، بعد أربعين سنة من مؤتمر كوادلوب الذي أطاح بالشاه.
فمِن واشنطن أعلنت أطراف عراقية معارضة لإيران، عن عقد مؤتمر في مشيغان و آخر في آذار ، لتشكيل حكومات إنقاذ، في وقت بات التركيز الأميركي و الإسرائيلي على العراق أمراً مُلفتا.
و في طهران أخذت قمة وارسو حيزاً كبيراً في الشارع السياسي الإيراني، و صدرت عشرات التصريحات المُستاءة منه و المهاجمة له، من سياسيين و شخصيات دينية، و أولهم كان ظريف.
و وصل ظريف بغداد، و أمضى خمسة أيام في أطول رحلة له خارج إيران، وجاءت زيارة ظريف لبغداد، بعد زيارة مماثلة لبومبيو إمتدت خمسة أيام في عواصم العرب.
و قد خاطب ظريف في بداية زيارته العراقيين، بعدم المُراهنة على الحصان الخاسر، في حين كانت رسالة أميركا لبغداد إن زمن الاعدقاء قد إنتهى، و عليهم الإختيار بين أميركا و إيران، وان اسرائيل قد تستهدف فصائل الحشد في العراق.
و قد بعث ظريف رداً على ذلك، برسالة لحُلفاءهِ ببغداد، أن عليهم سن قانون عبر البرلمان لإخراج القوات الأميركية من العراق، وقامت فصائل إيران بأخذ تعهدات من العرب السنة الّا يتعاونوا مع الأميركان.
و في نهاية زيارته الطويلة، خاطب ظريف بومبيو من كربلاء، أنكم مغادرون و نحن الباقون لأننا أصحاب الأرض، في أسخن حرب أعصاب بين إيران و إميركا.
ولأن إيران قد أمست الراعي الرسمي في العراق، تقف بغداد عاجزة أمام إنتهاء زمن الأعدقاء، في إتخاذ أي موقف يبعدها عن إيران.
لكن رسائل الطرفين غير المعلنة قد أفادت، أن زيارة ظريف التي إمتدت لخمسة أيام، كانت مارثونا لمفاوضات غير مباشرة بين إيران و أميركا عبر( الحكيم وبرهم صالح)، لعل حكومة بغداد تنقذ نفسها من مشهد لم تألفه منذ 2003.
مارثون التفاوض غير المباشر، تزامن مع وجود الملك عبد الله الثاني ملك الاردن و وزير الخارجية الفرنسي لودريان و كذلك وفد أميركي رفيع أيضا( لم يُعلن أحد عن زيارته).
خطاب ظريف المتغطرس في نهاية زيارته للعراق قد يؤشر لفشل مارثون التفاوض غير المباشر بين الطرفين، لكن إعلان ظريف أن روحاني سيزور العراق في الحادي عشر من آذار ، التي ستتزامن مع قمة وارسو، قد يؤشر بعكس الإتجاه.
فمفاوضات ظريف غير المباشرة ربما أرست بنية تحتية على المستوى الوزاري و قد تحتاج الى مستوى أعلى للبت فيهابعد التشاور مع طهران.
خاصة، و إن روحاني قد صرح بعد عودة ظريف أنه ” يمكن لإيران الدخول في محادثات مع الولايات المتحدة إذا رفعت واشنطن الحصار و أظهرت الإحترام” لها.
يزور روحاني العراق في آذار المقبل، في وقت يقول نائبه محمد نوبخت، أن إيران دخلت أزمة لا سابق لها، و نواجه ظروف صعبة على المستوى الدولي، و عقوبات لا ترحم و ظاهرة مشؤومة إسمها ترامب.
و قد تكون حكومة بغداد الواقعة بين سيف إيران و أميركا قد دخلت هي أيضا في أزمة لا سابق لها أيضا، فدعت رئيس الجمهورية برهم صالح الى زيارة واشنطن قريباً، لبحث مسألة إستثناء العراق من الإلتزام بالعقوبات الأمريكية ضد إيران التي ستنتهي منتصف آذار المقبل.
و إن كان العراق يبحث عن إستثناءات من أمريكا، فهل كل مرة تسلم الجرة؟ فأي إستثناء قادم قد يعني، مزيد من التنازلات من العراق لأمريكا؟
و كما إن العراق يبحث عن مخرج من أزمته تبحث إيران هي أيضا عن مخرج من أزمتها، فقد نفت مصادر مطّلعة من داخل تحالف الفتح الموالي لإيران، أن تكون فكرة قانون يتضمن إخراج القوات الإميركية من العراق قد تحوّلت إلى مشروع في مجلس النواب.
و تضيف أن الفكرة لم تزل متداولة بين الكتل السياسية، و لم تتحوّل الى مشروع قانون بعد، رغم تغريدة هوشيار زيباري، إن هذا الملف سيكون قريبا قضية سياسية رئيسة، و هذا قد يشير، أن التفاوض غير المباشر لم يرسو على برٍ بعد.
و في ماراثون مواز لمارثون التفاوض غير المباشر، تجري مفاوضات مباشرة بين الإتحاد الأوروبي و إيران حول آلية أوروبا المالية مع إيران.
فقد عقد لقاء بين وفد أوروبي و وفد إيراني قبل 10 أيام برئاسة مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، و قد فشل اللقاء بعد غضب إيراني عارم، بسبب تطرق الوفد الأوروبي الى دور المخابرات الإيرانية في أوروبا و ملف الصواريخ البابيستية.
فبعد أن أبلغ دبلوماسيون من فرنسا و بريطانيا و المانيا و مبعوثين من هولندا و الدنمارك و بلجيكا، الإيرانيون إن أوروبا لم تعد تحتمل عمليات الإغتيالات على الاراضي الأوروبية و التجارب الباليستية؛
وإثر هذا التبيلغ الأوروبي، وقف الوفد الإيراني فجاة في وسط الحوار و خرج، مغلقا الباب خلفه بعنف، في خرق غير مألوف للبروتوكول، بحسب ما وصف دبلوماسين أوروبيين.
و خرق إيران غير المالوف للبروتوكول، قد يكون كسباً للوقت و ضغطاً على أوروبا، في وقت يناقش فيه مجلس تشخيص مصلحة النظام، الخلاف بين مجلس الشورى الذي وافق على الآلية الدولية في مكافحة تمويل الإرهاب، و بين مجلس صيانة الدستور الذي رفضها.
و إن كانت إيران تضغط على أوروبا، فأوروبا تحت ضغط أميركي أيضا، لإتخاذ سلسلة عقوبات ضد إيران ، من أجل دفع إيران لوقف محاولات تنفيذ إغتيالات في أوروبا لم تتوقف منذ أربعين عاما.
و تكاد تكون النتائج المُعلنة لماراثون التفاوض المباشر و غير المباشر، متشابهة في الغطرسة الإيرانية، سواء بغلق الباب بعنف بوجه الأوروبيين، او في طول لسان ظريف و هو يعلن من كربلاء موقفه من أميركا، وسط صمت عراقي مطبق.
و إن تطابقت النتائج المعلنة و غير المعلنة فهذا قد يدل إن إيران ترفض الصفقة الأوروبية و الأميركية.
و حتى يثبت الواقع عكس هذا الإتجاه، فإن موقف إيران اليوم قد لا يختلف كثيراً عن موقف صدام من شروط أميركا بعد غزوه الكويت.
وإلّا ما هي خيارات إيران لخوض حرب الأعصاب مع أمريكا، سوى عوامل اللادولة المكشوفة، التي هي سبب بلاء إيران و المنطقة؟
فمُنذ إنسحاب ترامب من النووي, كانت إيران تعول على موقف أوروبا، فماذا بعد موقف أوروبا الأخير و هو أقرب للتخلي عن إيران، إذ لم تبق مع إيران سوى روسيا المنزعجة من قمة وارسو؟
و بين رفض إيران المُعلن و توجه أوروبا و أميركا الجاد، و بين قلق حكومة بغداد من تداعيات الصراع الأميركي الإيراني، تسللت إسرائيل للعراق مُنتهزة اللحظة التأريخية، كما دعيت لمؤتمر وارسو أيضا.
فرفعت إسرائيل إسم العراق من قائمة الأعداء، و أعلنت عن زيارة شخصيات عراقية لتل أبيب، وأكدت إنها قد تستهدف فصائل إيران التي إنسحبت من سوريا للعراق.
و إسرائيل المدعوة لقمة وارسو، المتسللة لبغداد أثناء زيارة ظريف، المهددة لفصائل إيران في العراق، تعلم أنّها قد تكون المستفيد الأكبر من المواجهة مع إيران، في إطار المرحلة الثانية من مكافحة الإرهاب التي قد تعلنها وارسو.
و هذا يعني أنّ إنتهاء عصر ولاية الفقيه المُحتمل على يد اسرائيل و من خلفها (حلف وارسو)، قد يكون كفيلا بإعادة العلاقة بين العراق و إسرائيل وبينها وبين العرب.
و الملفت أنَّ وزير خارجية العراق الجديد، قد تحدث ولأول مرة قبل أيام، عن قبول العراق حل الدولتين( إشارة لتطبيع محتمل)، و هذا قد يعد خروج عراقي (رسمي) من محور المقاومة الإيراني.
إنَّ إنتهاء النزاع مع إسرائيل، يعتمد على نتيجة الصراع مع إيران، وإنسحاب العراق من عباءة إيران، قد يكون هو الشرط البديل مقابل عودة العلاقة، في ظل رفض إيران الإنسحاب من العراق.
و قد يعني أيضا أن تحرير العراق من إيران قد لا يقوم به غير شيعة العراق، و هذه المهمة بحاجة لدعم دولي، قد يكون أول غيثه دعم (إسرائيلي).
و تكفّل إسرائيل بمليشيات محور و نظام إيران، قد يكون نوعا من التكامل في مواجهة عوامل الإرهاب غير الدولتية بين حلفاء أميركا، فقد تكفلت السعودية بجماعات الإسلام السني الجهادي و السياسي، في حين تكفلت تركيا باوجلان وغولان.
و السؤال هو هل إنتهى عصر رمي إسرائيل في البحر وشطب إسرائيل من الخارطة، بعد أن وجد محور المقاومة نفسه أو يكاد مشطوبا من الخارطة و مرمياً خارج التغطية؟
فقد أثبتت مائة عام من الصراع مع إسرائيل، إن السعودية وتركيا واسرائيل قد نجحوا في إمتحان الدولة الأمة، فشطبوا من الخارطة من فشل في هذا الإمتحان، ممَّن ظل مصراً على العقلية الإمبراطورية، عربيا كان او إيرانيا او كورديا.
وقد أدركت الدول و(الجماعات) اليوم أهم محاور الصراع، و هو تناقض المصالح بينهم و بين إيران ، الذي بات ممهدا لتقارب محتمل للمصالح بينهم و بين إسرائيل، و بهذا الإدراك قد تحصل لحظة إنقلاب تأريخي.
لكن مستقبل الحوار و التوصل الى سلام بين العراق و إسرائيل او بين إسرائيل و العرب، يعتمد بالدرجة الأساس اليوم بعد إدراك الناس لتناقض و تقارب المصالح، على نتيجة الصراع بين ولاية الفقيه و إسرائيل.
الكاتب د.عمر عبدالستار محمود