حلقات يوميه على اليوتيوب
يلاحظ علم العلاقات الدولية و يتنبأ بمسار ومصير العلاقات بين الدول التي تنتقل من نظام الى آخر كلما طرأ طارئ .
ويطرأ الطارئ اذا تغيرت أهداف رئيسة لوحدات النظام الدولي أو حدث تغير فى نمط الصراع بين و حدات النظام الدولي .
تقول نظرية المجموعة الصفرية-لإرث بريمر إنّ الفوضى و غياب القيادة العالمية واحتمالات الصدام الصفري، هي احدى حالات الطوارئ التي تصيب النظام الدولي.
حالة طوارئ آخرى تتحدث عنها نظرية نهاية القوة وعدم القدرة على السيطرة لمويزسز نعيم، حين تتحول القوة بثبات وببطء من الجيوش للعصابات.
من هنا قد يمثل نظام إيران احدى حالات الطوارئ التي اصابت النظام الدولي، في وقت فقد فيه النظام الدولي القيادة الجماعية من جهة، وتحولت القوة فيه من جهة آخرى من الدولة الى عوامل موازية ومعادية للنظام الدولي.
فقد فتّتت إيران بفلسفتها وإستراتيجيتها ومنظومتها الثورية المتمثلة بعوامل اللادولة الدينية المسلحة العابرة للحدود، العلاقات الثنائية بين الدول الخليجية والعربية و الإسلامية و الدولية.
ونجحت إيران وهي تفتت العلاقات الدولية أن تتمدد بين الدول، و أن تجعل كل طرف دولي ينظر لها ويتعامل معها بصورة مختلفة عن الطرف الاخر.
وبسبب هذا التفتت والتمدد، عجزت الدول عن التوحد ضد إيران، ومنعت إيران قيام قيادة دولية جماعية ضدها، حتى ظهرت داعش فتشكل التحالف الدولي إستجابة لحالة الطوارئ المزدوجة التي تهدده بالتفتت والتمدد.
“وفي تعريف المهمة المنشور على موقع التحالف الدولي، فقد تَشكّل التحالف الدولي ضد داعش في أيلول 2014، وبلغ عدد أعضائه 79 عضواً، يلتزمون ب “التصدي للتنظيم على جميع الجبهات، والعمل على هدم شبكاته والوقوف أمام طموحاته بالتوسّع العالمي”.
و قد إستفادت إيران من موقعها الجيوسياسي و ثورتها الدينية و إرثها الإمبراطوري و عدم وجود منظومة أمن شرق أوسطية، و من فاصلة دولية، فجعلت لنفسها وجوداً في أغلب الملفات الدولية.
وكانت إيران تسعى ولم تزل لخطة من مراحل ثلاث، خضراء من جاكارتا حتى البيضاء، و حمراء بإسقاط المشاريع الشرقية، و سوداء بغزو اوروبا و إسقاط أميركا وإقامة دولة الولي الفقيه العالمية.
وقد تماهلت أميركا مع نظام إيران الثوري غير الدولتي، الذي يقول على لسان محمد جواد لاريجاني، أنّ إيران مستعدة للحوار مع الشيطان الأكبر في قعر جهنم، لتحقيق مصلحة إيران (في التفتيت والتمدد).
ولو تعامل النظام الدولي مع إيران الثورة في 1979، كما تعامل مع داعش في 2014، بتشكيل تحالف دولي، لكانت إيران الثورة في خبر كان، ولو تماهل النظام الدولي مع داعش كما فعل مع إيران الثورة لحصل الصدام الصفري.
فالتحالفات الدولية ضد عوامل اللادولة الدينية والقومية المسلحة العابرة للحدود، قاعدة من قواعد العلاقات الدولية لحماية الامن الدولي والاقليمي.
فإذا كانت الحاجة للتحالفات الدولية مع القاعدة وداعش والحوثي واجبة، فالحاجة للتحالف الدولي مع أكبر نظام إرهاب في العالم أوجب بل هي حالة طوارئ دولية.
لقد جاء التحالف الدولي كقيادة جماعية دولية مع حلفاء محليين وإقليميين، لإعلان حالة طوارئ دولية ضد حالة التفتت الدولي والتمدد الإيراني في الفراغات بين الدول و بين مكوناتها، وتوحيد النظرة الدولية لنظام إيران.
وجاء التحالف الدولي كحل جذري بعد أن فشلت ضد إيران كل خطط الإحتواء الدولية من كارتر حتى اوباما، كما لم يفلح أيضا حراك إيران الداخلي ضد النظام بثورة او إصلاح.
و كانت الخطة الوحيدة التي نجحت مع إيران، عندما خاضت البحرية الأمريكية معركة إستمرت 16 ساعة مع سلاح البحرية التابعة للحرس الثوري في الخليج العربي أبريل 1988 أثناء رئاسة ريغان.
فكان ما سمّاه الخميني (كأس السمّ)، فأقنع رفسنجاني خميني بقبول غير مشروط لقرار مجلس الأمن (598) و قال نصاً ” إن الوقت لم يعد في صالح إيران؛ لأن القوى المتعجرفة المناهضة للإسلام قررت بذل أقصى ما في وسعها لتكبيل أيدينا”.
و ربما يعود سبب فشل كل خطط إحتواء إيران الى إن القوى الغربية لم تدرك فلسفة وإستراتيجية منظومة إيران الثورة داخليا وخارجيا، التي نجحت بعد اربعين عاما من أن يكون لها عدة محاور دولية.
فهذا محور إقليمي للمقاومة، وذلك محور مع الإخوان، وثالث محور هجين من قاعدة وبوكو حرام وحركة الشباب الصومالية ومسيحيي 8 أذار وغيرهم، ورابع مع روسيا والصين وأميركا الجنوبية.
و دون إعادة تشكيل الدولة الإيرانية من جديد بتحالف دولي وحلفاء محليين، فإن اي خُطط مماثلة لإحتواء التمدد الايراني والتفتت الدولي ستذهب أدراج الرياح.
وبعد إنتهاء داعش، وفي ظل انسحاب ترمب من النووي وشروط بومبيو وحزم العقوبات، ومجموعة برايان هوك، فالمرحلة الجوهرية من حالة الطوارئ الدولية قد تقتضي من التحالف الدولي تهيئة الساحة الإيرانية، لفتح ملف إعادة تشكيل الدولة الايرانية.
تقول آخر أخبار الساحة الإيرانية، أنّ المئات من المعارضين الإيرانيين طالبوا ترامب لتأسيس صندوق مالي تحت إشراف الولايات المتحدة لتمويل و دعم المعارضة.
كما إنّ وزير الإستخبارات الإيراني، محمود علوي، حذر من تكثيف الجهود و المشاورات و التحركات التي تقوم بها أحزاب القوميات و المعارضة الإيرانية من أجل توحيد صفوفها للإطاحة بنظام ولاية الفقيه.
و يقول الناشط الإيراني الأحوازي كريم عبديان بني سعيد ، هناك تحرك جدي و واسع في واشنطن من قبل أطراف مهمة من المعارضة الإيرانية لإقناع إدارة ترمب بضرورة إتخاذ خطوات جادة لدعم عملية التغيير في إيران من خلال دعم القوى الديمقراطية لإيجاد بديل حقيقي و شامل لنظام ولاية الفقيه.
والمعضلة المزدوجة التي تواجه التحالف الدولي مع نظام إيران، هي أن نظام ولاية الفقيه قد تمكن بعد اربعين عاما من نقض إيران الدولة التي كانت موجودة قبل 1979، وأنّ أطراف المعارضة الإ يرانية لم تتفق بعد على البديل.
لكن أمير طاهري يقول إنّ إيران الثورة لم تتمكن من القضاء بعد على إيران الدولة، فبعد أنْ تغلبت وهيمنت وسيطرت وحكمت، لم تستطع إيجاد الدولة، وعجزت بنفس الوقت عن تدمير الدولة الإيرانية الأم، ضمن فكرة المراحل الخمس لظهور الدولة عند المؤرخين الأيرانيين..
لذلك يطرح طاهري فكرة تفكيك الأجهزة الموازية وإتاحة الفرصة لأجهزة الدولة الرسمية من جديد، لكن كيف يكون ذلك، والأجهزة الموازية تعدُّ الدولة عدواً تقاتلهُ وترفض عودتها، إلّا إذا كان ذلك ضمن فكرة تحالف دولي وحلفاء محليين؟.
ف Non- state actors ( الأجهزة الثورة الإيرانية الموازية مثالا) كيانات منظمة تمتلك هيكلية قيادية موازية ومعادية للدول وتتمتع باستقلالية عن الدول التي تنتمي لها، وتمتلك من القوة ما تمكِّنها من تحقيق أهدافها.
ولذلك وجدت إيران (الأجهزة الموازية) وفق هذه المقاربة، نفسها في نهاية المطاف في كفة باعتبارها تعبر عن (منظومة الإرهاب العالمي) وأمريكا التي تمثل النظام الدولي في الكفة الأخرى.
فموديل الدولة الإيرانية الجديد المفترض، الذي يسعى التحالف الدولي لفتح ملفه، قد لايعود بانقلاب او ثورة او إصلاح او إحتواء فحسب، بل بتحالف دولي وحلفاء محليون.
لكن مشكلة الحلفاء الإيرانيون المحليون أنهم لم يتفقوا بعد على بديل لنظام ولاية الفقيه، وهذا قد يطيل في عمر النظام.
وعدم إتفاقهم على بديل، قد يجعل النظام يتفرغ لمواجهة سيناريو التغيير بإنفجار الوضع الداخلي، إن لم يرضخ لشروط بومبيو، او سيناريو التدوير برضوخه للشروط حرصا على بقاء النظام.
الكاتب د.عمر عبدالستار محمود