حلقات يوميه على اليوتيوب
وردت أربع مصطلحات في العنوان أعلاه، لكل منها تعريف و تعليل و تحليل في مسار و مصير الشرق الأوسط المقصود في إطار هذا المقال.
يتحدث هذا المقال عن صراعات أطراف الشرق الأوسط و تنافسها، و يبحث عن فرصة إنتقال صراع بعضها مع بعض الى مرحلة التنافس، و تنافس بعضها مع بعض الى حقبة التكامل.
أطراف الشرق الأوسط الكبرى هي إيران ولاية الفقيه، و تركيا و إسرائيل و المملكة العربية السعودية التي تضم اليها مصر و من معها من العرب.
و بإستثناء إيران ولاية الفقيه، الراعي الأكبر للارهاب في العالم و صاحبة آخر نظام ثوري فيه وفق الرؤية الأميركية، فإن دور الدول الثلاث الأخرى هي محور حديث هذا المقال.
قبل الحديث عن دور السعودية و تركيا و إسرائيل في الشرق الأوسط، لابد من إلقاء نظرة على تعريف الصراع و التنافس و التكامل في العلاقات الدولية.
و بإختصار فإن الصراع هو لعب بعض الأطراف ضد بعض، و التنافس هو لعب الأطراف معاً، و التكامل هو لعبة إيجابية تلعبها الأطراف عبر مركز جامع لها و عابر للقوميات.
و في التفصيل، فإن الصراع درجات أعلاها الحرب و أخفها الإختلاف، مروراً بعدم الإتفاق و النزاع و العنف، و معادلته صفرية، “zero sum game”برابح واحد و خاسر واحد.
و الصراع يجد له مساحة في ظل فوضوية النظام الدولي بتنافر المواقف و تنازع الإرادات و النضال حول القيم و القوة و الموارد للوصول الى إيذاء الخصم و تحييده و إزاحته.
و من صور الصراع، التوتر و الأزمات و من وسائله الحصار و التهديد و التحالف و التحريض، و من أسبابه ما هو سياسي و إقتصادي و إجتماعي و إستراتيجي.
و ما أكثر العقليات و المنظومات الصفرية في الشرق الأوسط، فمن السنة من يريد أن يشطب الشيعة و بالعكس، و من السلفية من يريد أن يطيح بالصوفية و بالعكس، و من العرب من يريد أن يشطب إسرائيل و إيران و تركيا مرة واحدة و العكس متوفر أيضا.
و أما التنافس فهو اللعب معاً و التزاحم و التسابق في ساحة واحدة لبلوغ نفس الهدف بين الأطراف المتنافسة، و قد يتطور التنافس فيصل الى التكامل او يتقهقهر فيعود للصراع، و قد يتطور الصراع فيصل للتنافس في سلسلة متعاكسة الإتجاه.
فحين تعجز الأطراف المتصارعة عن إدارة الصراع ينتقل الصراع الى التنافس، و حين تعجز الدول المتنافسة عن الحفاظ على الإستقرار الإقليمي تتطور علاقاتها الى الصراع او التكامل بحسب فقدان او وجدان شبكات الأمان.
و بخلاف الصراع فإن التنافس هو نمط طبيعي وصفة غالبة في العلاقات الدولية في عالم ما بعد الحرب الباردة الذي إنتقل من مربع صراع الأدلجة الى مربع التنافس في محاربة الإرهاب و مواجهة الأزمات الإقتصادية.
و يمكن القول أن العلاقات الأميركية الروسية الصينية هي علاقات تنافسية يمكن أن تتحول الى تكامل، كما إن العلاقات التركية العربية الإسرائيلية تنافسية أيضا و قد تتطور الى مرحلة التكامل.
و التكامل هو تحول النشاطات في دول متعددة متنافسة نحو مركز جديد عابر للحدود الوطنية، له صلاحيات تتجاوز صلاحيات الدول القائمة و أبرز مثال للتكامل هو الإتحاد الأوروبي.
و هذا يعني إن التكامل هو لعبة إيجابية تسمح للاعبين بإتخاذ قرارت مشتركة و تفويض الأمور دون إكراه بإدراك ذاتي للحاجة و المصلحة و العجز ، لمؤسسات تُساهم بتحقيق الأرباح و تمنع إستخدام القوة لتسوية الخلافات.
و للتكامل مقومات من هوية و تفاعل إقتصادي و تقاسم أرباح و خسائر، و له أنواع فمته تكامل إقتصادي و إجتماعي و سياسي و أمني، و النجاح في مجال من مجالاته يدفع لفتح التكامل في مجال آخر بعملية ذات إتجاهين من أعلى الى إسفل و بالعكس.
فمسار من أعلى الى أسفل يعالج أمور الدين و الهوية و التطرف و إدارة الخلاف و منع الصراع و بناء السلام و المصالحة و تمكين العدالة و علاقة الدولة بالمجتمع و إحياء العقد الإجتماعي.
و من أسفل الى أعلى يفتح المجال لإطلاق الإمكانات البشرية و الإقتصادية و تأسيس بنوك تنمية إجتماعية لتمكين المواطن من المشاركة في صنع المستقبل.
و بتكامل المسارين يتكامل الأمن مع الإقتصاد فيتحقق الإستقرار و التنمية، فتُغادر الأطراف المتنافسة حُقبة التنافُس الى حقبة التكامل بمعادلة non zero sum game.
بعد هذه الجولة في توصيف المصطلحات و علاقة بعضها ببعض، نحاول تطبيق هذا التوصيف على دور الدول المتنافسة في الشرق الأوسط،إسرائيل و تركيا و السعودية، و نبحث عن إمكانية وجود فرصة لتكامُل هذه الأطراف.
فرغم حالة التنافس بين هذه الدول الثلاث، فإنها تتكامل في أمور عدة منها، إنها حليفة للولايات المُتحدة، و إنها تقوم على أساس الدولة الأمة؛
و يعمل كلٌّ من جانبه على الحفاظ على الأمن الأقليمي، فتُحارب الإرهاب المتمثل بعوامل اللادولة القومية و الدينية التي سادت في المنطقة منذ ظهور ولاية الفقيه المعادية للدولة الأمة و للنظام الإقليمي و الدولي.
فتركيا تحارب جماعة كولان و أوجلان التي تُهدد أمن تركيا القومي، و السعودية تحارب رأس الإسلام السياسي و الجهادي المتمثل بالإخوان و القاعدة و داعش التي تهدد أمن السعودية القومي ، و إسرائيل تُحارب رأس الإسلام الجهادي و السياسي المتمثل بالحرس الثوري الذي يُهدد أمن إسرائيل القومي.
و هذا بمجمله يجعل هده الدول في صف واحد، في مقابل كفة عوامل اللادولة الثورية التي توظفها ولاية الفقيه في حربها ضد الدولة الأمة و للنظام الدولي.
و رغم تحالف هذه الدول الثلاث مع الولايات المتحدة و قيامها بهذا الدور الإقليمي، فإن عدم تحالف و عدم حرب هذه الدول مع بعض، قد مكّن عوامل اللادولة من هز إستقرار الشرق الأوسط و أوروبا و النظام الدولي.
و هذا يعني أن هذه الدول قد عجزت بتنافس بعضها مع بعض من الحفاظ على اداء واجبها الموكل لها بإعتبارها دول متوسطة القوة من حفظ الأمن الإقليمي، و إن هناك حاجة و مصلحة إقليمية مُلحة في الإنتقال من حقبة التنافس الى حقبة التكامل.
كما أن التكامل يحتاج الى أن تُدرك الجماعات الكوردية و العربية (الشيعية و السنية) و الإيرانية ، دورها في تقليل كلفة الإنتقال من حقبة التنافس الى حقبة التكامل.
فدور الجماعات الكوردية أن تنسج بعيداً عن ال ب ك ك و قريبا مع البوصلة التركية الأميركية، و العربية السنية بعيدا عن القاعدة و الإخوان و داعش و قريباً من البوصلة الأميركية السعودية، و الإيرانية بعيداً عن الحرس الثوري و قريبا من البوصلة الأميركية الإسرائيلية.
فإن فعلت فقد تقوم حالة من حالات التكامل بين هذه الجماعات، كلٌّ في موقعه، و بين حُلفاء الولايات المتحدة و برعايتها، سواء كانت تركيا بالنسبة للكورد، او السعودية بالنسبة للعرب، او إسرائيل بالنسبة للإيرانيين.
و من يرفض هذا الدور من هذه الجماعات، في حقبة الإنتقال المحتمل من التنافس الى التكامل، في ظل مواجهة ولاية الفقيه و عومل اللادولة، قد لا يجد لنفسه مكانا تحت الشمس في المرحلة القادمة، إن لم يكن من جملة المستهدفين.
و تفسير ضرورة تكامل الجماعات مع البوصلة الأميركية و حلفاءها في المنطقة، سببه إن أميركا لا تضمن لهذه الجماعات ترف الحياد في مواجهة الولايات المتحدة لخصومها في المنطقة؛
كما إن خصوم الولايات المتحدة عاجزون عن الدفاع عن هذه الجماعات أمام الولايات المتحدة التي تعدُّ هذه المنطقة من أهم و أخطر المناطق الجيوسياسية في العالم.
الكاتب د.عمر عبدالستار محمود