حلقات يوميه على اليوتيوب
دخلت إيران حقبة العقوبات الكبرى في٥-١١-٢٠١٨ ، وعلى إثرها دخلت أميركا إنتخابات الكونجرس النصفية في٦-١١-٢٠١٨، التي تنتظر إيران ومعها أميركا وأوروبا والعالم نتائجها بفارغ الصبر.
هي إنتخابات تجديد نصفية تمر عادة دون إهتمام إعلامي كبير ، لكنها إستحوذت على إهتمام أميركي وشرق أوسطي ودولي غير مسبوق وكأنها انتخابات رئاسية، لسببين ربما، إستقطاب عالمي حاد بين اليمن واليسار، ضد ومع العولمة، وآجندة ترمب الدولية ضد إيران.
ولأن سياق عامل الإستقطاب الدولي بين اليمين واليسار الذي لم يزل فاعلا ، هو الذي جاء بترمب، ولأن ايران قد تمادت في إرهابها بعد لوزان النووي، كما تمادى من قبل هتلر على أبواب الحرب العالمية الثانية، فان أميركا بعد ٦-١١-٢٠١٨ قد تكون نفس أميركا التي جاءت بترمب بعد ٦-١١-٢٠١٦.
لكن الإحتمالات واردة في فوز الديموقراطيين بغرفتي الكونجرس أو أحدهما، نتيجة عامل الإستقطاب الحاد بين اليمين واليسار الذي دللت عليه أجواء الحملة الإنتخابية الساخنة.
حملة ساخنة شهدت لأول مرة طرودا ملغومة ضد قيادت الحزب الديموقراطي وهجوم على كنيس يهودي من يمينيين متطرفين، في مقابل قافلة هجرة باتجاه حدود أميركا الجنوبية فضلا عن أزمة خاشقحي وإيران واليمن وظّفها الديموقراطيون لصالحهم.
وإن كانت اجواء الإنتخابات ساخنة ففقرات برنامج ترمب الإنتخابي التي يحاول أن يعبر بها ترمب من حقبة اميركية الى حقبة آخرى كانت أسخن ، إذ يفرضها ترمب فرضاً على الداخل وعلى دول العالم، و يحولها إلى سياسات لازمة التنفيذ.
فإنْ فاز الديموقراطيون رغم ذلك بغرفتي الكونجرس او أحدهما، فقد ينتقل الإستقطاب من الشارع للمؤسسات السياسية التي تتمتع اليوم بغالبية جمهورية، وقد يؤدي ذلك لتأكل ثقة الجمهور بها وقد تتجمد العملية السياسية.
و قد يدفع هذا ترمب لإتخاذ إجراءات أحادية الجانب على حواف الحدود الدستورية، وهذا أخطر وآخر ما تنتظره اميركا منذ حرب فيتنام، في ظل ترقب دولي للتحرر من التحالف مع اميركا وبناء تحالفات بعيدة عنها كما يجري الحديث بين الهند وإيران وروسيا من جهة وبين روسيا والصين من جهة آخرى لنقل الطاقة.
فالحزب المعارض للسلطة قد يعرقل أجندة وأوامر الرئيس التنفيذية التي إعتاد عليها ترمب، لكن إنقسام الكونجرس قد يصعب بنفس الوقت ممارسة الرقابة على الرئيس الذي قد يهرب للامام وينقل الصراع من الداخل للخارج، وليس هناك سوى إيران التي تترقب أميركا بعد ٦-١١-٢٠١٨.
أمّا إذا حافظ الجمهوريون على أغلبيتهم في غرفتي الكونجرس وهو مايتفق مع رياح التوجه الى اليمن اميركيا ودوليا، فسيزداد التنسيق بين ترمب وبوتين ضد إيران وأوروبا وتيار العولمة.
فرياح التوجه يمينا التي جاءت بترمب في٢٠١٦، لاتزال تغزو اميركا ومعها قارات العالم من اميركا الشمالية للجنوبية اذ حطت في البرازيل آخيرا، ومنها لأوروبا الشرقية التي كانت يوما ما شيوعية، فالشرق الاوسط الذي يموج توجها لليمين، لجنوب ووسط وشرق اسيا، فضلا عن بوتين الذي بات يرقص فرحا لترمب اميركا.
يرقص فرحا لأجندة ترمب داخل وخارج أميركا، والتي كان أخرها عدم إستثناء أوروبا من إستيراد النفط الإيراني، الذي قد يعد صفعه ترمبية ليسار اوروبا من جهة، ودفعة ترميية لليمين ضد العولمة، وخدمة جليلة لبوتين ضد اوروبا
وترمب الذي يقود هذا الإتجاه ضد العولمة يرفع معه شعار بوش من معي ومن ضدي؟ فمي معه قد يكون له حصة في نظام ترمب الدولي القادم، ومن ضده قد يكون مصيره مثل مصير خامنئي والحرس الثوري الذي يتوعده ترمب بالويل والثبور وعظائم الامور.
فقد إدرج ترمب بشعار “معنا أو ضدنا”إسم إيران على رأس الدول الراعية للإرهاب في العالم والشرق الأوسط و أيقن إن عوامل الإرهاب في المنطقة دمى بيد طهران.
و يرى ترمب بشعار “معنا او ضدنا”أن إيران ينبغي أن تكون هي الهدف الحقيقي، حيث ستتبخر و تتلاشى تلقائياً كل عوامل الإرهاب تماماً إن تبخرت ثورة إيران، كما أختفت كل الأحزاب الشيوعية من الوجود بمجردإانهيار الإتحاد السوفياتي القديم.
وهذه السياسات الترمبية بشعار “معنا او ضدنا” تتجاوز حدود النزعة الإنكفائية المألوفة أحياناً في الخطاب السياسي الأميركي، بل وتجعل من شعار “أميركا اولاً” هدفا داخليا وخارجيا.
و لهذا فالمعوِّلون على إنكسار محتمل لترمب في الإنتخابات النصفية، كمن يعول ربما على سراب يسار بقيعة يحسبه الإيرانيون ماءا، فقد يعصف بهم تيار اليمين فيلقي بهم على جوانبه، إذ إنَّ نظام الطبيعة غلاّب لايغلبه نظام.
فراعي البقر الاميركي الذي جاء بترمب لم يعد يسمح للرأسماليين ان يسرقوه من جديد، بعد أن ذاق ازمة٢٠٠٨، فهذه ثورته وثورة الريف معه ضد المدينة ليس في أميركا فحسب، بل في إيران أيضا وبريطانيا واوروبا.
إذ تنتقل مجاميع يسار الوسط ويمينه في العالم كله من اليسار الى اليمين، ناقلة معها العالم الى أجواء مابين وما قبل الحرب العالمية الثانية.
إنَّ الترمبية أصبحت تياراً في كل قارات العالم وليس في اميركا فحسب، وإنَّ اليمين يتجدد ويتقدم ويقود العالم، ويعيد تشكيل السياسة الدولية.
و هذا ليس من نتائج ازمة ٢٠٠٨ المالية فحسب، بل من داعش وماعش التي أرعبت العالم إنطلاقا من الشرق الأوسط، كما أرعبته ازمة ٢٠٠٨ المالية التي تسببت بها العولمة.
إنَّ اليمين الاميركي لم يعد يقبل حتى بيمين ترمب نفسه فضلا عن اليسار، فمرسل الطرود المشبوهة لاوباما وكلنتن وغيره من قادة اليسار، بات ترمبيا اكثر من ترمب، اذ يتهم ترمب بانه (معولم).
إنّه النزاع الحاد بين تيار عالم مابعد الحرب العالمية الثانية الذي جاء بالعولمه ومعه الإتحاد الأوروبي والنظام الدولي، وتيار مابين الحربين العالميتين، الذي باتت تخشاه إيران ومعها الإتحاد الاوروبي، اذ قد يكونان من أكبر ضحاياه، إذ قد ينتقل على أنقاضهما، من حقبة دولية الى حقبة اخرى.
و إن كانت أجواء ما قبل الحرب العالمية الثانية واضحة في الغرب، فانها أشد وضوحا في الشرق الأوسط، الذي بات يحبس أنفاسه، على وقع حقبة ما بعد ٥ الإيرانية و ٦ الأميركية من -١١-٢٠١٨، التي تختلف تماما عما قبلها، كما أخبر عنها امير الكويت.
الكاتب د.عمر عبدالستار محمود