حلقات يوميه على اليوتيوب
تكمُن مُعضلة إيران أنها تعيش بنظام قرواوسطي مع هيمنة المرشد و حرسه الثوري، القادر لحد الان على إفشال أي ثورة او إنقلاب او تغيير للنظام.
كما إن هذه الهيمنة قد جعلت إيران ليس فقط غير قابلة للتغيير ، بل عُرضةً للتفتت ايضاً، مع أي محاولة محتملة لتغيير النظام، خاصة مع وجود أقليات دينيه و عرقيه قمعها ملالي إيران كما فعل الشاه من قبل.
إضافة الى إن تغيير أي نظام سياسي قد ينطوي على نتائج غير مؤكده، اذ لا يمكن لأي طرف التنبؤ بنتائج أي تغيير نجاحاً أو فشلاً، خاصة اذا كان الحديث عن نظام مثل نظام ملالي إيران.
لذلك يقاوم الحرس الثوري أي مُحاولة للتغيير دفاعاً عن سُلطتهم و خوفاً من ضياعها، و كذا هو حال من يسعى للتغيير، مثل حركة مُجاهدي خلق، إذْ تخشى ألا تُفضي محاولتها إلى تحقيق الأهداف المُتوقعة.
و مع ذلك كله، فإن التغيير قد يحدُث في إيران، فإستبدال اي نظام سياسي بنظام سياسي آخر، يحتاج توفر شروط ثلاثة، نظام سياسي بديل، و ظرف محلي ساخط على النظام القائم، و ظرف دولي مواتي لإزاحة النظام القديم.
و فيما تفاوض أميركا طالبان أفغانستان، نرتقب أن يفاوض البيت الأبيض حركة مجاهدي خلق، طليعة المقاومين لنظام الشاه منذ تاسست قبل 53 سنة، ولنظام الملالي مذ وصل للسلطة.
و في مسارها الخطر ، تمثل الحركة بديلا مناسبا لنظام الملالي، فعندها وعيٌّ لقواعد اللعبة السياسيه محليا و دوليا، وقد عايشت و عارضت و لديها تجربة ثرّة في مسار مُقاومة نظام الشاه و نظام خميني.
و تُعَرِّف الحركة في موقعها عن نفسها فتقول، إنها حركة تسعى لإستبدال نظام الإرهاب الحاكم المتستر بغطاء الدين في إيران بحكومة علمانية ديمقراطية تعددية، كما إنها تطرح بديلاً ثالثاً لإستبدال النظام بعيداً عن إحتواء نظام الملالي او إحتلال إيران، كما جرى في العراق.
و بهذا النموذج و ذاك الخيار، إمتلكت الحركة مُقومات نجاح دولي و إقليمي و محلي، يُضاف الى رصيدها المُتَمثِل في أنها حركة تتمركز في مدن إيران الرئيسة و منها العاصمة، بخلاف بقية الحركات المعارضة.
و قد يمنحها هذا الرصيد القُدرة على منع فوضى الإنتقال السياسي في حالة تغيير النظام، خاصة و إن منع فوضى الإنتقال في بلد مثل إيران، قد يلتقي مع رغبة المُجتمع الدولي في هذا الظرف الدولي و الإيراني المُعقد.
و إذا كان هذا هو موجز الحديث عن نموذج الملالي و نموذج الحركة و إحتمالات التغيير، فإليكم بعض من تفاصيل مسار و إحتمالات إنتصار حركة مجاهدي خلق.
فعلى خطى محمد مُصدق، إنطلقت حركة مجاهدي خلق في 1965، تتحدى حُكم الشاه، و أصحبت عضواً في حركة تحرير إيران بزعامة محمود طالقاني و مهدي بازركان، و کانت الغاية إستبدال ديکتاتورية الشاه بنظام وطني و ديمقراطي يتَمَثل في سيادة الشعب و حريته.
فلما إنطلقت الثورة ضد الشاه شاركت الحركة فيها بماتملك من قُدرات، فلما سقط الشاه، أرست الحركة دعائمها کأکبر قوة سياسية إيرانية، حيث بلغ عدد نسخ جريدتهم 500 ألف نسخة.
و حين إحتكر الخُميني قرار الثورة و الدين و الدولة، تظاهرت ضدهُ مُجاهدي خلق،ففتح أفراد الحرس الثوري النار و سقط مئات القتلی و الجرحی کما إعتُقل آلاف الأشخاص و أُقتيدوا الی السجون و المعتقلات.
و بدأت الإشتباکات المُسلحة في عموم البلاد بين الحركة من جهة و أفراد الحرس من جهة أخری ،فأسست إئتلافاً سياسياً أسمته المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، إنضم اليه بني صدر الذي أُقصي من منصبه في حينه.
و وصل مسعود رجوي مع بني صدر الى باريس قادماً من طهران بطائرة في رحلة مخاطرة، مخاطرة بمسارها و مصيرها المُرتبط بمسار و مصير نظام ملالي طهران.
و لم تزل حركة مجاهدي خلق تُغُّذُ السير في هذه الرحلة الخطرة ، رغم مرور 53 سنة على ظهورها، و كأنها لا تزال في ريعان شبابها.
و رغم أن رحلتها كانت خطيرة بما فيها الكفاية، فإنها كانت تستحق المُجازفة بالدم و العرق و الدموع لتجعل لهذه التضحيات ثمرة كُبرى.
ثمرة كُبرى تمثلت في أن يكون نظام الملالي أخيراً، أكبر نظام إرهابي في العالم، و تتحرر الحركة في رحلتها الخطرة من تهمة الإرهاب، بقرارات بريطانية و أوروبية و أميركية، صدرت خلال الفترة من 2008-2012.
و ربما تكون حركة مجاهدي خلق اليوم أمام فُرصة تأريخية لتحل محل نظام ولاية الفقيه بخيار البديل الثالث، الذي طرحته المُهندسة و الرئيسة المنتخبة و أمين عام حركة مجاهدي خلق مريم رجوي في 2004.
فبعد فشل إحتواء إيران من قبل الإدارات الأميركية و الأوروبية، و بعد إحتلال أميركا للعراق، قالت مريم رجوي، امام البرلمان الاوروبي، بما معناه: لا نُريد إحتلالا كما جرى للعراق، ولا إحتواءاً لإيران أثبت فشله، بل نُريد أن يسقُط هذا النظام بيد الشعب الإيراني، مع دعم دولي لهذا الخيار.
وربما كان لمريم رجوي ما أرادت حين وصل ترمب للبيت الأبيض في كانون الثاني 2017 ودوّن مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون خطته في مقالة نشرها في The National Review بخمس صفحات بعنوان: كيف نخرج من الإتفاق النووي مع إيران.
و الخطوات التي إقترحها بولتون على إدارة ترامب يجري تنفيذها عملياً على مدار العامين الماضيين، و هي تقوم على تحديد مجموعة من الخيارات تقترب للغاية من تغيير النظام.
و تشمل خطوات جون بولتون ضمن ما تشمل، إعلان دعم أمريكا للمعارضة داخل و خارج إيران، و توفير الدعم للقوميات الإيرانيةمثل البلوش و عرب الأحواز و الكورد.
دعم أميركي مرتقب لحركة مجاهدي خلق، قد يتجسد على الأرض بمفاوضات أميركية مع فريق مريم رجوي، كما تجسَّد تفاوض فريق زلماي خليل زاد مع فريق طالبان ( التي قاومت الأميركان) على أبواب إنسحاب أميركا المرتقب من أفغانستان.
ورغم أنَّ تفاوضَ البيت الابيض مع طالبان وإحتمال تفاوضه مع مجاهدي خلق، وجهان لعملة مواجهة إيران، لكنَّ إرتباط التفاوض بعلاقة حركات التحرر الوطني بالنظام والقانون الدولي جديرٌ بالإشارة.
فطبيعة العلاقات الدولية خلال الحرب الباردة وبعدها حددت أي من حركات التحرر الوطني أقرب إلى تحقيق مصيرها الوطني من غيرها.
فقد اثر النشاط الميداني والدبلوماسي لحركات التحرر الوطني من جهة، وانماط العلاقات الدولية من جهة اخرى، في علاقة بعضهم ببعض، حتى باتت حركات التحرر من ضمن العوامل المعترف بها دوليا، مقابل تبنيها أساليب أقل اصولية.
وإن كان الحديث هنا عن حركة مجاهدي خلق ، إلاّ إنَّ التطرق الى طالبان افغانستان وإنْ جاء في سياقه ، يحتاج الى وقفة قصيرة.
فكما هي حركة مجاهدي خلق، فإنَّ طالبان تعدُّ نفسها “حركة تحرر وطني، محلية نشأت في فترة الصراع بين من يسمون بـأمراء الحرب عام 1996″، ورغم علاقتها الملتبسة بالقاعدة بعد 11/09، فقد شهدت الأعوام السبعة الماضية خلافات واسعة بينهما.
فطالبان بشتونية القومية، ديبوندية المدرسة حنفية المذهب، تعد نفسها حركة تحرر وطني وملتزمة بالعمل فقط داخل أفغانستان وتقبل بالتسويات السياسية مع الحكومات ، وربما كان مقتل حمزة بن لادن قد صحح وانهى خطأ وعهد علاقة طالبان مع القاعدة بعد 11/09.
و عليه فلقاء فريق رجوي المرتقب بفريق ترمب، هو أقرب للواقع والقانون الدولي من لقاء فريق ترمب بفريق طالبان التي قاومت الأميركان وكان لها علاقات مع القاعدة بخلاف حركة مجاهدي خلق.
وكما قد يظن البعض ان لقاء فريق رجوي بفريق ترمب خيالاً، فقد ظن البعض ان قيام تحالف دولي ضد إيران، خيالاً او نكتة سياسية!
وها هو يتشكل بقيادة أميركية من الحُلفاء الأوروبيين والصين وإسرائيل ودول الخليج العربية لمواجهة إيران، وهو مانراه اليوم في هرمز وغير هرمز.
و قد يكون مؤتمر معسكر أشرف٣ الذي عقدته مُجاهدي خلق هذا العام في البانيا، خطوة غير مسبوقة تلتقي و تتناغم و تتزامن مع خطوات جون بولتون الدولية في الإحاطة و الإطاحة بنظام ملالي طهران.
فقد أبرزت الحركة قوتها في معسكر أشرف 3، على المستوى التنظيمي و الإعلامي و لفتت أنظار المجتمع الدولي و الإدارة الأميركية خصوصاً، في ظل مواجهتها مع نظام ولاية الفقيه.
فقد أصبح مُعسكر أشرف 2019 مركز رئيسي لكل عمليات حركة مُجاهدي خلق السياسية و التنظيمية و الإعلامية في المرحلة المقبلة بحيث تم نقل مُعظم عناصرها في أوروبا للإقامة في المُعسكر الذي أصبح ايقونه للنضال الشعبي الإيراني تجاه طُغيان و بطش نظام الملالي.
و قد نجحت الحركة في ممارسة دور جديد في مؤتمر معسكر أشرف 3- 2019، تمثل في إستعراض جرائم نظام الملالي بحق أفراد المُقاومة عبر معرض ضخم لضحايا النظام السياسيين، يحتوي على الآلاف الصور و اللقطات الشاهدة على جرائم النظام بحق مُعارضيه.
وركزت الحركة في مؤتمر أشرف 3 بشكل واضح على إستقطاب القوى الغربية على كافة المستويات بعدما كانت طوال السنوات الماضية تسعى إلى جذب القوى العربية المُناهضة للمشروع الإيراني في المنطقة.
فقد كشفت الحركة في أشرف 3 عن إمكانياتها في الداخل الإيراني، وتأثيرها الفعلي على الإحتجاجات الشعبية في إيران عبر عشرات المقاطع المصورة لجموع شعبية رفعت شعارات مجاهدين خلق في العديد من المدن والمناطق في إيران.
إن إثبات الحركة دورها على أرض الواقع، وإختراقها النظام، جعلها مصدر رئيسي للكشف عن برامج نظام الملالي المخالفة للقانون الدولي، مثل المشاريع النووية والصاروخية حيث تعتبر أول من أعلن عن تلك حقيقة تلك البرامج عبر مؤتمر صحفي قرب البيت الابيض في آب 2002.
ومن الواضح أن الحركة وبعد سنوات من تركيز مظاهراتها في باريس وبروكسل وإمستردام، أصبحت تعمل على أحداث مظاهر ضغط في عواصم القرار الغربي وأهمها واشنطن ولندن وبرلين.
وقد كان حضور جولياني محامي الرئيس ترامب في كل فعاليات المؤتمر وفي كل جلساته أمراً ملفتاً، فقد كان مقدما على كافة الضيوف وكان حديثه واضحاً بأن لا مناص من إسقاط النظام وأعتقد أن ذلك مؤشر هام.
ولم يفت الحركة في مؤتمر أشرف 3 أن تركز على جوانب ملفتة عارضت بها الشاه وخميني من أول يوم، مثل قضايا الطائفية وقضايا القوميات والأقاليم.
ومن آخر نشاطاتها الملفتة ، قيام النظام في نهاية شهر حزيران بنشر تسجيل صوتي، يزعم فيه أنه يعود لقيادين في مجاهدين خلق، ويحمل الحركة مسؤولية القيام بإعتداءات الفجيرة!
وأتصور أن ذلك يعود لسبب وجيه، وهو أن الحركة قد اخترقت النظام وكشفت تفاصيل هذه العملية والمسؤولين التنفيذيين عنها مما شكل صدمة للنظام.
وقد ذهلت الحركة قادة النظام مرة ثانية، عندما نشرت الحركة تقرير مفصل يدين به الحرس الثوري ويحمله مسؤولية الإعتداء على السفينة اليابانية.
ومن الملفت للنظر إن حركة مجاهدي تحظى بقبول عربي لافت، إضافة للقبول الغربي، وإن كان بشكل غير رسمي.
فالسعودية مثلاً كان لها حضور ملفت، وكلمة مندوبها سلمان الأنصاري، كانت ملفتة و لاقت تصفيقاً حاراً وإنتشار واسعاً.
كما أن العديد من البرلمانيين والإعلاميين وأفراد المنظمات المجتمع المدني، من مصر وسوريا وفلسطين والأردن والجزائر والبحرين والمغرب كانوا حاضرين بشكل ملفت .
ولعل الحركة بمؤتمر اشرف ثلاثة تكون قد خطت خطوة كبيرة الى الامام في مسارها لولادة ايران اخرى غير إيران الشاه وإيران خميني، التي هربت من شعبها ومن النظام الدولي منذ 1979 ووصلت أخيراً لطريق مسدود.
طريق مسدود، جاء على قدر مع طريق معسكر أشرف 3 المفتوح، ومع حقبة دولية جديدة تم إفتتاحها مع إنتهاء داعش، مقرونة بتحالفات دولية وإقليمية لمواجهة نفوذ ونظام إيران في المنطقة.
الكاتب د.عمر عبدالستار محمود