حلقات يوميه على اليوتيوب
إن كان بوش الأب قد شكّل التحالف الدولي الأول لتحرير الكويت 1990، و صفع صدام حسين بإنذاره عبر جميس بيكر قبل تحرير الكويت، اذ قال له ،إن الكويت ستتحرر، لكن قرارك بالإنسحاب منها دون قيد، سيحدد مستقبل العراق؛
و إن كان بوش الإبن قد صفع صدام حسين بتصريحه قبل 48 ساعة حسين بإنذاره التنحي عن الحكم و مغادرة بغداد هو و نجليه في غضون 48 ساعة، أو إعلان الحرب، ثم شكّل الثاني لغزو العراق.
و إن كان اوباما قد صفعهم حين تأخر في الإستجابة لطلب المالكي بعد ظهور داعش، عقوبة على شروط إنسحاب 2011 و لتحالفه مع إيران، و فرضاً لشروط عودة جديدة، قبل أن يطرد المالكي و يأتي بالعبادي و يتشكل التحالف الدولي الثالث في أيلول 2014.
فإن رابعهم ترمب قد صفعهم مرتين، فهو يسارع لإعلان تحالف شرق أوسطي جديد و يقول “إننا لم نذهب إلى العراق، و نخسر آلاف الأميركيين وآلاف و مئات المليارات من أجل أن نسلمه لإيران”.
و زيارة ترمب لقاعدة عين الاسد الجوية التي لم يلتق بها مع أحد من العراقيين، تنسجم مع شروط العودة الأميركية في 2014، التي أشار لها قادة البنتاغون أكثر من مرة بالقول إنهم لن ينسحبوا بعد إنتهاء داعش من العراق.
هذا النهج الأميركي في التعامل مع عراق قبل و بعد 2003، يشير أن العراق مهمة رؤساء أميركا قبل و بعد ترمب، كما صرح الجنرال بترايوس، المدير السابق لوكالة الإستخبارات المركزية، في تموز 2016 بحديث متلفز على ال ABC NEWS، قائلاً إن العراق مهمة الرئيس القادم و من بعده و من بعده”.
فما هي شيفرة العراق الإميركية التي جعلت العراق في قلب المنطقة الحيوية للمصالح الأميركية كما يقول رامسفيلد، و من رافديه جنات عدن المنطقة كما يقول ايزنهاور، و جعلت ترمب يُقرر الإنسحاب من أجنحة سوريا و أفغانستان الى قلب المنطقة؟
إن موجز الشيفرة و كما يقول تقرير عمل مجموعة العراق التي يرأسها رايان كروكر، أن” يُصبح العراق مستقلاً و مستقراً و مزدهراً، يحيا في سلام داخل حدوده و مع جيرانه، و يعكس حُكماً شرعياً و فعالاً، و يميل بقوة إلى التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة”.
و لتحقيق ذلك يضيف التقرير الذي صدر في أيار 2017 ، لابد من “تعزيز المصالح الأمريكية في العراق من خلال حرمان الجماعات الإرهابية من الملاذ الآمن و التقليل من تعرض العراق للنفوذ الإيراني”.
و أفضل طريقة لذلك يقول التقرير” هي دعم تطور حكومة عراقية فعالة و مستجيبة و شرعية و الإلتزام علناً بالإنخراط الأميركي الطويل الأمد في العراق، فداعش و إيران يعززان فكرة أن الولايات المتحدة لا يمكن الإعتماد عليها في شراكة طويلة الأمد”.
و من الضروري اذن كما يقول تقرير رايان كروكر أن يكون الرئيس “ترامب و مستشاره لشؤون الأمن القومي معنيَيْن تماماً بإستراتيجية تُركز على الحكم في العراق و يتعين على البيت الأبيض أن يظل شريكاً مباشراً للعراق، بهدف حماية المصالح الأمنية الأمريكية”.
و من الضروري أيضا “البناء على قوة الإنخراط الأوروبي و مجلس التعاون الخليجي و سيستغرق النجاح سنوات، و لكنه سيكون نجاحا جدياً”.
و اذا كان هذا هو موجز الشيفرة ، فإن تفصيل الشيفرة يقول ان اميركا قد مرت بمحطات في العراق إبتدأت في 1922 بإمتياز إحتكار النفط لنهاية القرن العشرين، ثم ثنّت بحلف بغداد ثم ثلثت بإحتلاله 2003 و الإنسحاب منه فالعودة.
وبين الامتياز النفطي في 1922 و العودة، قامت شركة نفط العراق في 1931 بمد خط نفط كركوك(K) -حيفا (H)-طرابلس (T)، و رغم إنطمار هذا الخط، فإن المستقبل قد يكون بإنتظاره.
و سيطرة أميركا على نفط العراق مثلما يقول ترمب، سيمنحها السيطرة على أسعارة من جهة، و كذلك منافسة الروس، في و قت يتم فيه شطب إيران من الدول المصدرة للنفط.
و من محطة النفط الى محطة الأحلاف مرّ القطار الاميركي فربط العراق بحلف بغداد (السنتو) ١٩٥٥، الذي غاب حين ظهرت ولاية الفقيه 1979، و على أبواب دخولها في حقبة حصار غير مسبوق، يجري الحديث من جديد عن ظهور ناتو عربي سني لمواجهة إيران.
إن ربط العراق بإتفاقيات الأمن المتبادل من 1955 الى إتفاقية السفا الإستراتيجية 2008، ياتي مرتبطا باستبشار عراقي بالعودة الأميركية الجديدة، من السنة و الشيعة و الكورد بخلاف المرات السابقة.
مُرحبٌ به بإستثناء مليشيات إيران، مما جعل العراق جزءاً من الأمن القومي الأميركي، الذي دقَّ اسفين بين العراق و روسيا من جهة، و بين العراق و إيران من جهة ثانية، و بين العراق و سوريا من جهة ثالثة.
يأتي ذلك بعد أن إتسعت الفجوة بين شيعة العراق و إيران و بين نظام إيران و شعوب إيران، و عاد الناس مرحبين بعودة العم سام
في إيران بعد أن كانوا يكرهونه،و في العراق بعد أن قاوموه في 2008.
و تجوال القوات الأميركية بقيادة اوستن رينفورت مع قيادت عمليات بغداد بقيادة جليل الربيعي، على أبواب 6 ك2 2019 و هم يحملون شارة فرض القانون، و تعامل المواطنين العراقيين الذين أحاطوا بهم في شارع المتنبي و هو واحد من أهم شوارع بغداد و أكثرها زحاما ، دليل.
إن إصرار الولايات المتحدة على العراق يتبدى بعد محطة النفط و حلف بغداد في أربع حروب خليجية و ثلاث تحالفات دولية كلها على العراق منذ 1979 لليوم.
و قد إنتهت الحرب الأولى والثانية بإتفاقية هدنة، و إنتهت الثالثة و الرابعة بتغير المشهد العراقي و الإقليمي و الدولي.
و حين دخل العراق بعد تحرير الكويت في الطريق الذي ذهب اليه، قد تتجه إيران بعد الحرب الخليجية الرابعة، الى نفس طريق صدام بعد تحرير الكويت” و درب سعيد درب أخيَّه” كما يقول المثل العراقي.
و حتى في ذروة الصعود الإيراني أثناء حرب الخليج الرابعة، و قد وقعت لوزان مع مجموعة 5+1، فإن إيران قد تخلت عن سيادتها النووية، و لم تنل من أي عاصمة خليجية، بل إن الخليج بدأ بإستهداف إيران في العواصم الأربعة، و لم تحصل إيران على مقعد في التحالف الدولي؛
و لم تضمن إيران عدم إستهداف نظامها، ثم إنسحب ترمب من لوزان، وفرض عليها 12 شرطا ان و افقت او رفضت عليها فهي خاسرة.
كما الصفقة المعروضة على إيران الآن من ترمب، قد تشبه الصفقة التي عرضتها إيران على أميركا بعد إحتلال العراق، مع فارق ان ايران اليوم ليست إيران 2003، فقد دخلت عقوبات غير مسبوقة، في ظرف دولي متغير.
يحدث ذلك في وقت تتجه إيران الى مقاومة أميركا في العراق من خلال و كلائها بعد رفض إيران صفقة أميركا المعروضة، كما فعلت بعد أن رفضت أميركا صفقة إيران في 2003.
و يحدث هذا بعد أن بلّغت أميركا إيران، إن إستهداف وكلائها للقوات الاميركية في العراق، يعد ضوءاً أخضر لإستهداف إيران نفسها، كما إن إيران قد بلغت أميركا بحرق بغداد ان تمَّ تقليص تفوذها في العراق.
و لم تعد تكفي ترمب حكومة عراقية لها يد مع اميركا و أخرى مع إيران، بل يريد قيادة عراقية جاهزة للتعاون معه ضد إيران بعد أن إنتهى زمن الأعدقاء .
و بات عام 2019 حاسماً ليس للعراق فحسب، بل لترمب نفسه في إستراتيجيته الدولية الجديدة التي ستحط في وارسو في شباط القادم.
و قمة وارسو التي أصبحت من عواصم الناتو بعد أن كانت مقراً لحلف وارسو في الحزب البارة، دعت لها واشنطن 50 وزيراً من دول مختلفة كما يقول لافروف ستناقش ملف سوريا و اليمن و البرنامج الصاروخي الإيراني و نشاط إيران في المنطقة.
و كأن رسالة واشنطن لإيران من قمة وارسو هي ” إننا قادرون على أن نجعل من قلاع خصومنا السابقين قواعد لإستهداف خصوم آخرين”.
و لهذا إستاء ظريف الذي زار النجف و كربلاء بعد زيارة بومبيو الذي أنذر بغداد إن تل ابيب قد تقصف مقرات فصائل عراقية تقاتل في سوريا، و قال ظريف من النجف لواشنطن مهدداً: “اخروجوا من المنطقة فنحن أهل الأرض”.
و تهديد بومبيو لعبد المهدي بأن أميركا لم تعد قادرة على منع تل ابيب من قصف مواقع المليشيات في العراق، يؤشر لإمتداد اليد الإسرائيلية من سوريا للعراق.
كما يؤشر ايضا لرفض إيران شروط بومبيو بالإنسحاب من المنطقةدون قيد، ورفض إيران هذا يشبه رفض صدام الانسحاب من الكويت دون قيد، مما قد يؤدي لفقدان إيران محورها ونظامها، كما أدى رفض صدام الى تحرير الكويت وسقوط نظام صدام بعد ذلك.
يأتي ذلك في وقت رفعت إسرائيل العراق من قائمة الدول الأعداء، و فتحت المجال لعلاقات تجارية مع العراق، و قامت شخصيات عراقية لم يعلن عنها بزيارة إسرائيل في 2018.
إن إمتداد يد إسرائيل العسكرية و التجارية و الدبلوماسية للعراق، قد يعد من المحطات الأخيرة لشيفرة اميركا في العراق.
فقد تُعيد اليد الإسرائيلية الممتدة للعراق بعد سوريا إفتتاح خط كركوك حيفا، الذي تأسس في 1931، و تفتح الطريق لعضوية العراق في الناتو العربي (السني) القادم، و تُنهي إرتباط العراق بمحور إيران الإقليمي، و تُبعد العراق عن روسيا.
وهكذا تتضح شيفرة أميركا العراقية في المائة سنة الماضية ولم تزل في الصراع مع العراق و على العراق ، و قد نصت ألّا حياد في هذا الصراع، وألاّ نهاية له الّا برفع أي قبضة غير أميركية عنه.
الكاتب د.عمر عبدالستار محمود