حلقات يوميه على اليوتيوب
تُماثل حقبة ترمب الدولية الجديدة “Trump vs the Rest” حقبة ماقبل الحرب العالمية الثانية، وهي تتجه لمغادرتها الى حقبة دولية جديدة.
ليس هذا إستنتاجا او إستشرافا فحسب، بل ما تقوله وتؤكد عليه الدوريات الأكاديمية والإعلامية والسياسية الغربية، ومنهم الرئيس الفرنسي ماكرون والأمين العام للأمم المتحدة الذين أشاروا لذلك آخيرا.
وإذا أردنا أن نحدد شيفرة حقبة ترمب بدقة، فنقول إنّها شيفرة خماسية الأركان، تبدأ بمفهوم ونموذج صدام الحضارات الذي قال به برنارد لويس وهنغتنغتن، وتحمل معها شعار بوش الإبن من معنا ومن ضدنا، وشروط ترمب أن “إدفع وأركب معنا”، و” إضرب بقوة أو تنح جانبا”، وتنتهي بال”Deja Vu”.
فاما ال”Deja Vu”، فتعني إنّ حقبة ترمب باتت تشعر أنها تماثل الحقبة التي مر بها العالم قبل إندلاع الحرب العالمية الثانية، سواء بصعود الموجة اليمينية الحمراء عبر القارات، أو بالحمائية التجارية الدولية التي يقودها ترمب إثر أزمة ٢٠٠٨ المالية التي تماثل أزمة١٩٢٩؛
أو بالأزمة الاوروبية التي تعاني منها أوروبا اليوم، كما كانت قبل الحرب الثانية، أو بالعسكرتاريا وإنحسار المد الديموقراطي،أو الحرب السورية اليوم التي تشبه الحرب الإسبانية يومذاك، أو تمدد ولاية الفقيه بعد لوزان٢٠١٥، كما تمدد هتلر بعد ميونيخ١٩٣٩.
وأما صدام الحضارات الذي قال به برنارد لويس في “جذور الغضب الاسلامي” وهنغتنغتن في كتابه الذي يحمل نفس العنوان، فقد ثبتت صحته وعاد اليه أخيرا فوكوياما الذي قال بعسكه في١٩٨٩، بكتابه “نهاية التاريخ”.
إذ كتب فوكوياما في الفورين بوليسي في اب٢٠١٨، إنّ العالم ورغم موجة العولمة والديموقراطية التي إمتدت بعد نهاية الحرب الباردة، بات يتجه يمينا من طبقات متعولمة الى طبقات تم تهميشها وباتت تصارع من أجل هوياتها الوطنية.
يقول صموئيل هنغتنغتن إنّ الصراع لاينتهي، وهو وإنّ كان غادر الصراع الأيديولوجي والجيوسياسي أثناء الحرب الباردة، فانه إنتقل الى صراع الثقافات والحضارات، التي تتكتل في أمم ودول متقاربة في القيم لمواجهة حضارات وثقافات مختلفة.
وأمّا تيار الحمائية التجارية الجديد، فإنّ ترمب الذي يقوده، يشنّ حربا تجارية ضد العالم كله، فيصيب بحجرها عصفورين.
عصفورٌ في يده يشحن به تيار اليمين في الداخل الاميركي بما يوفره من وظائف لجمهوره من إلغاء اكثر من٢٠ إتفاقية تجارية ثنائية ومتعددة مع دول العالم، وعصفور على شجرة اليمين العالمي الذي يزيدها ترمب نمواً بفقدان جمهور البلدان وظائفه.
وسبب الحرب التجارية التي يشنها ترمب ضد أكثر من ٦٠٪ من دول العالم، إبتداءاً من الصين مروراً بروسيا واوروبا وكوريا الجنوبية واليابان وكندا والمكسيك، يعود لأزمة ٢٠٠٨ المالية التي جاءت به رئيسافي ٢٠١٦، كما دفعت العالم معه للتوجه يمينا، مثلما فعل الكساد العظيم في١٩٢٩.
من هنا خرج ترمب على العالم بشعار “إدفع وأركب معنا” الى حقبتنا الدولية الحديدة، أو لسنا مكلفين بحمايتك، شاملا بذلل كل قارات العالم، بعد أن إنتهى عند ترمب شعار “الواحد للكل او الكل للواحد” أو الأمن الجماعي او “الأسواق المفتوحة” الذي جاء به عالم مابعد الحرب العالمية الثانية.
وإن كان ترمب ينتقل بالنظام الدولي من حقبة مابعد الحرب العالمية الثانية الى حقبة دولية قادمة، فإنّه يشن حربا أخرى على آخر نظام ثوري في العالم، الذي تمدد في عالم مابعد الحرب الباردة، كما تمدد هتلر في عالم مابين الحربين.
فقد أعاد ترمب على إيران حِزَم العقوبات الأميركية التي صدرت عن أسلافه، والتف بنفس الوقت على كل التفافات ايران على تلك العقوبات، والتي تضم أكثر من 700 شخصية وشركة ومصرف، وطائرات وناقلات وسفنا.
وكلها ترفع أعلام دولاً مختلفة في 30 دولة بمنطقة الشرق الأوسط، وآسيا، وأوروبا، وأميركا اللاتينية، وحتى في أميركا ذاتها، حتى قال جواد ظريف لغرفة التجارة الإيرانية: لقد تمكنت اميركا من الوقوف على كل نقاط التنفس لدينا.
وترمب إذ يفعل ذلك سواء مع العالم، أو مع إيران مستهدفا نظامها وحرسها الثوري بعد أن إنسحب من الإتفاق النووي وفرض ١٢ عشر شرطا، فانه يعمل بشعار برنارد لويس”إضرب بقوة أو تنحَ جانبا” الذي قاله لإدارة البيض الأبيض عشية غزو العراق.
فترمب يقول للعالم إتركوا إيران، أخرجوا من إيران، لاتتعاملوا مع إيران، وأمامكم ترليونات السوق الأميركي، أو سأعاقب كل من يتواصل مع إيران، وأنتم في الخيار.
كما إن إيران في الخيار ايضا، بين أن تخرج من النووي أو ترتكب حماقة فتكون الحرب، أو ترضخ للشروط تحت سيف العقوبات فيكون لوزان جديد.
وماذا يفعل العالم بإيران الثورية، التي يستهدفها ترمب، و ماذا تفعل إيران ببقية العالم بعد أن إنسحبت أميركا من النووي، فالعالم قبل وبعد إنسحاب أميركا من النووي ليس سوى “كومبارس” لايغني عن ايران شيئا.
وهذا يعني إنّ إيران بعد غزو سوريا واليمن تتجه رغم أنفها لنفس المسار الذي إتجه اليه العراق بعد غزو الكويت، وهي تئن من حزم العقوبات ومن شروط بومبيو الإثني عشر، التي ستدفعها الى برنامج النفظ مقابل الغذاء كما سبقها من قبل العراق.
فهل يتجه العالم فعلا بشيفرة ترمب الخماسية الى مغادرة عالم العولمة واللبرلة والأسواق المفتوحة وعوامل اللادولة وكل سلطة غير وطنية، سواء منها المعادية أو غير المعادية للنظام الدولي؟
الإجابة على هذا السؤال هي “نعم” كبيرة، يقول بها ترمب، وبوتين الذي بات قوة عسكرية وسياسية يحسب لها العالم حسابا، والزعيم الصيني الذي بات مركزا اقتصاديا دوليا، وكلاهما يمثل رأسين لعالم جديد يتصدره ترمب.
وقد التقى هنري كيسنجر أخيرا الزعيم الصيني كما التقى بوتين في ٢٠١٧، وقد أشار الى هذه النعم الكبيرة، توماس غراهام مستشار كيسنجر وهو يتحدث عن ترويكا دولية قادمة تضم الصين وروسيا والولايات المتحدة.
وقد يعد ذلك إعترافا واقعيا أميركيا بمالأت عالم مابعد الحرب العالمية الثانية، كما قد يعبر أيضا عن أن موارد الولايات المتحدة ومعها الغرب لم تعد ربما تكفي لنظام دولي أحادي تتزعمه الولايات المتحدة.
يأتي ذلك في وقت بات هذا النظام الدولي مهددا ليس بتداعيات أزمة ٢٠٠٨ المالية فحسب، بل بفوضى عوامل اللادولة التي ضربت أسسه الوطنية والإقليمبة والدولية، ومنها عبور الحدود و إقتحام السفارات بمنظومة مليشيات دينية مسلحةقروسطية.
فإضافة لإرتفاع الدين الأميركي الى١٠٠٪ وبلوغ العجز التجاري الأميركي عدة ترليونات، وإن كان قد تحسن آخيرا، هناك ثلاث دول غربية فقط، هي أميركا وفرنسا وبريطانيا، من ثماني أكبر الدول اقتصادا في العالم، في وقت إحتلت الصين وروسيا والهند واليابان وكوريا الجنوبية والبرازيل بقية المواقع الخمسة الكبرى.
إنّ كل حقبة لها كود محدد يتمثل بقوتها وقيمها وقوانينها، أما وقد تغيرت معادلة القوة وعبرتْ قيم الموجة اليمينية القارات كاسحة قيم العولمة، وتم نقض مواثيق ومعاهدات وقوانين عالم مابعد الحرب العالمية الثانية، فإنّ العالم اليوم ينتقل بكود حقبة ترمب الخماسي من حقبة الى حقبة دولية جديدة.
إنّ قيم وقوة وقوانين وثقافة وحضارة حقبة ترمب الجديدة، لن تصطدم بقيم وثقافة ومنظومة ولاية الفقيه وأمثالها المارقة على حقبة ترمب فحسب، بل بثقافة وحضارة ومنظومات نظام العولمة وبضمنها ربما الأمم المتحدة ومجلس الامن التي تمثل أسس وميزان القوى التي شكلت نظام مابعد الحرب العالمية الثانية.
الكاتب د.عمر عبدالستار محمود