حلقات يوميه على اليوتيوب
يقع العراق شمال الخليج و إيران شرقه و مجلس التعاون غربه، و هو البلد الوحيد المجاور للطرفين، و نقطة التواصل الوحيدة بين العرب و إيران.
و لذلك مر صراع ضفتي الخليج مع العراق بثلاث تحالفات دولية و أربع حروب خليجية، و قد تنشب حرب خليجية خامسة، قبل أن يضع الصراع أوزاره.
و معادلات صراع الطرفين على العراق جديرة بالإهتمام و منها، إنهما تصارعا معه حين إختلف نظامه السياسي عنهما، وتصارعا عليه حين اختلف نظامهما السياسي بوصول خميني للسلطة.
و من معادلات الصراع على العراق أنه مُدار أميركيا في صراع غير مباشر في أخطر منطقة جيوسياسية في العالم، لمنع خروجه عن السيطرة، مع إصرار أميركي لضم العراق لمجلس التعاون الخليجي.
فهذه الحروب الخليج الأربع و التحالفات الدولية الثلاث عليه، تؤكد هذا الإصرار الذي أعلنه تلميحاً وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت غيتس في حوار المنامة 2008.
قال روبرت غيتس، إن إنضمام العراق لمجلس التعاون سيرفع قبضة إيران عنه، و يؤكده ايضاً، إصرار أميركا على عدم الإنسحاب من الخليج بعد حرب الخليج الثانية، ومن العراق و شرق سوريا بعد إنتهاء حرب الخليج الرابعة.
كما إن سياسة الولايات المتحدة مع نظام صدام و إيران قبل الحروب الخليجية الأربع و أثناءها، و بعد وصول ترمب، تؤكد على هذا الاصرار، فنظام صدام وولاية الفقيه أنظمة مارقة ضمن إستراتيجية الأمن القومي التي وضعها أنتوني ليك مستشار الأمن القومي الأميركي ١٩٩٣.
و من معادلات الصراع إن الولايات المتحدة كانت خلف سياسة دعم الكورد و النجف ضد نظام صدام الذي إستضاف الخميني ضد الشاه.
وهي تكرر اليوم نفس هذه السياسة التي تهدف لإبعاد قم عن النجف من جهة، و تعزيز دور إقليم كوردستان الذي ظهر بعد حرب الخليج الثانية ولم يزل كمعادل لوجود نظام صدام ثم لإيران في العراق.
و من معادلات الصراع، أن العراق ظل محط إهتمام صانع القرار الأميركي، كونه جزء من المناطق الحيوية في العالم التي لا يمكن له التخلي عنها و لا يضمن في هذه المنطقة الحيوية ترف الحياد لأي طرف من أطرافها، في معركته ضد خصومه العاجزون إستراتيجياً عن الدفاع عن حلفائهم.
و من معادلات هذا الصراع، أن السياسة الأميركية في إدارة صراع الضفتين على العراق، منعت السوفيت في حرب الخليج الأولى و إحتوت أيران حتى كانت هدنة 08/08/1988، وهي تكاد تُكرر نفس السياسة في حرب الخليج الرابعة لإحتواء إيران و دفع روسيا للتخلي عن إيران.
و رغم هذا الإصرار الأميركي، فإن إيران قد أصبحت وبلا منافس(بإستثناء إقليم كوردستان) هي الراعي الرسمي سياسيا و أمنيا و إقتصاديا و عسكريا في العراق، خاصة بعد إنسحاب أميركا نهاية 2011.
لكن في الوقت الذي دخلت إيران فيه حقبة غروب تأريخي مُحتمل، يجري الحديث عن مُعادلة صراع أخرى تتمثل بالحديث عن ظهور ناتو عربي او شرق أوسطي، قد يكون شبيها بحلف بغداد (السنتو) الذي ظهر في خمسينيات القرن الماضي، و غربَ مع ظهور ولاية الفقيه.
و الفرق بين الناتو الجديد و السنتو القديم هو أن السعودية التي لم تكن عضواً في السنتو القديم، بسبب نزاع سعودي مصري، أصبحت اليوم مع مصر بعد إنتهاء النزاع السعودي المصري و دول الخليج و الأردن أعضاء في الناتو القادم، بخلاف إيران و العراق اذ كانا ضمن السنتو أمس و ليس مع الناتو اليوم.
و من معادلات الصراع أيضا، أن إستراتيجيات إيران و أميركا و دول مجلس التعاون الخليجي تمتاز بآليات توازن و ضبط ذاتية تضبط الصراع و تمنع خروجه عن السيطرة و تثير حَيّرة الخصوم.
فقد تميزت إستراتيجية أميركا بموجة جيبية اذ تعلو بتدخل مباشر و تنزل بتفرج و إنسحاب تكتيكي او إحتواء مزدوج و لكل صعود وهبوط في موجة اميركا الجيبية فلسفة.
فكارتر أعلن أن الخليج أمن قومي أميركي، و ريغان دشّن عصر الصراع الإستراتيحي ودعم العراق في حربه ضد إيران، وبوش الأب اخرج الخليج من دائرة الصراع الدولي، و جاء كلنتن بمبدأ الإحتواء المزدوج، و بوش الأبن بمبدا الضربات الإستباقية واحتل العراق ووضع إيران و العراق ضمن محور الشر.
في حين إنفتح اوباما على إيران و إنسحب من العراق و قع معها إتفاق لوزان وفق تقرير بيكر هاملتون، في حين إنسحب ترمب من النووي وإعاد العقوبات على إيران و فرض 12 شرطاً لرفع العقوبات.
و في الوقت الذي إمتازت إستراتيجية إيران بدورها المزدوج بين الدولة و اللادولة، اذ تتقدم مرة باللادولة ثم بالدولة، فقد تميزت إستراتيجية دول مجلس التعاون الخليجي بالإتفاق على تحديد المخاطر لكنها تختلف في طرق معالجتها، حتى قالت إيران التي ترفض الاعتراف بالمحلس وترفض سياسته، إن مجلس التعاون يمارس معها دور الخصم و الحكم.
و من معادلات الصراع المهمة، ان إستراتيجية إيران كانت إستراتيجية تصدير ثورة هجومية توسعية دينية عابرة للحدود، هدفها الأساسي الدفاع عن نظامها و الهرب من مشاكلها الداخلية و محاولة فرض الهيمنة، في حين إن إستراتيجية دول مجلس التعاون كانت دفاعية واقعية هدفها الحفاظ على التوازن الإقليمي.
و لم تسمح دول مجلس التعاون الخليحي لإيران خلال الحروب الخليجية الأربع، أن تمس بأمن أي دولة من دوله، بل أطلقت عاصفة الحزم في اليمن، في الوقت الذي بلغت إيران ذروة صعودها الإقليمي في 2015.
و رغم أن إيران بلغت في 2015 ذروة صعودها لكنها تخلت بنفس الوقت عن سيادتها النووية بلوزان، الذي كان لِجاماً سحبها به ترمب ب ٢٠١٨،و لم تضمن عدم إستهداف أميركا لنظامها، ولم تحصل على مقعد في التحالف الدولي لمكافحةالأرهاب رغم أنها تخادمت معه عمليا.
و من معادلات هذا الصراع المدار على العراق، إن الحرب الخليجية الأولى و الثالثة انتهت بهدنة دون سلام او استسلام، في حين انتهت حرب الخليج الثانية و الرابعة بأمر آخر.
فقد إنتهت الحرب الثانية بحصار العراق بعد غزو الكويت مع إثني عشر قرار من قرارت مجلس الأمن إنتهت في نهايتها بإحتلال العراق، و الرابعة تزامن مع نهايتها دخول إيران بحقبة حصار إيران غير معهود منذ 1979 مع إثني عشر شرطا أميركيا، و كأن درب إيران بعد الحرب الرابعة يشبه درب صدام بعد الحرب الثانية.
و اذ يصل الصراع على العراق لنهاية الحرب الخليجية الرابعة، فإن إحتمال نشوب حرب خامسة قد بات وارداً و يعتمد حصوله من عدمه على سلوك إيران، بعودة او عدم عودة إيران للبند السابع الذي خرحت منه دون حرب في 2016.
و رغم قيام إيران بعد عقوبات ترمب بتدوير الزوايا معه في العواصم الأربع و قيام الروس بدور الوسيط بينها وبين خصومها، فالسنوات القادمة ليست باي حال سنوات راحة ايرانية.
فقد أدركت أيران بعد إنهيار السوفيت وحرب الخليج الثانية التي أخرجت الخليج عن دائرة الصراع الدولي، إنها قد تكون سوفيت أخرى إن أخذت دوراً أكبر من حجمها.
لكنها تمددت بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فجعلتها الحرب العالمية على الإرهاب بعد 17 عاما من إعلانها، إنها قد دخلت عصر الذبح بسكين او بغير سكين، كما تعرّض لذلك السوفيت من قبل.
الكاتب د.عمر عبدالستار محمود