حلقات يوميه على اليوتيوب
الى اين يتجه العراق بعد ٣٠ آب
اتجه العراق منذ انتفاضة تشرين ١-١٠-٢٠١٩ الى نقطة تحول استراتيجي بعيدا عن عباءة ايران، رسخها مقتل سليماني والمهندس في ٣-١-٢٠٢٠ الذي فقدت بهما ايران منصة القيادة لمحورها الذي يشمل العراق وسوريا ولبنان ، ثم كانت استقالة عادل عبد المهدي، فكانت هذه الثلاثية اركان رئيسية في نقطة التحول هذه.
هذا يعني ان العراق اذا عاد لحكومة موالية لايران او عوضت ايران قيادة محورها بما يكافئ سليماني وتمكنت من دحر ثورة الشيعة ضدها تكون قد حققت ما تسميه (ايران ) تصحيح المسار اي العودة الى ماقبل ١-١٠-٢٠١٩.
رغم أن خامنئي يبشِّر نفسه و من معه في حسابه على تويتر، أن أميركا غير قادرة على أن تفعل شيئاً ضد إيران، لأنها لم تعد أميركا التي نعرفها قبل 40 سنة، فإنه يتجاهل الحقيقة.
يتجاهل الحقيقة التي تقول : إن أميركا التي جاءت بخميني للسلطة قبل 40 سنة لأسباب واقعية، و إن إختلفت عن أميركا قبل 40 عاماً، تُريد اليوم أن تُزيح ثورته عن السلطة لأسباب واقعية أيضا.
فخامنئي يتجاهل الواقع الإيراني الذي بات اليوم حاملاً بإيران أخرى غير إيران التي يُريد، بعد أن إنتفضت ضد ثورته، أغلب مُدن إيران في نهاية 2017، و باتت إيران تنتظر موجة إحتجاجات قادمة بعد الخامس من تشرين الثاني 2018.
دخلت إيران حقبة العقوبات الكبرى في٥-١١-٢٠١٨ ، وعلى إثرها دخلت أميركا إنتخابات الكونجرس النصفية في٦-١١-٢٠١٨، التي تنتظر إيران ومعها أميركا وأوروبا والعالم نتائجها بفارغ الصبر.
هي إنتخابات تجديد نصفية تمر عادة دون إهتمام إعلامي كبير ، لكنها إستحوذت على إهتمام أميركي وشرق أوسطي ودولي غير مسبوق وكأنها انتخابات رئاسية، لسببين ربما، إستقطاب عالمي حاد بين اليمن واليسار، ضد ومع العولمة، وآجندة ترمب الدولية ضد إيران.
ولأن سياق عامل الإستقطاب الدولي بين اليمين واليسار الذي لم يزل فاعلا ، هو الذي جاء بترمب، ولأن ايران قد تمادت في إرهابها بعد لوزان النووي، كما تمادى من قبل هتلر على أبواب الحرب العالمية الثانية، فان أميركا بعد ٦-١١-٢٠١٨ قد تكون نفس أميركا التي جاءت بترمب بعد ٦-١١-٢٠١٦.
تُماثل حقبة ترمب الدولية الجديدة “Trump vs the Rest” حقبة ماقبل الحرب العالمية الثانية، وهي تتجه لمغادرتها الى حقبة دولية جديدة.
ليس هذا إستنتاجا او إستشرافا فحسب، بل ما تقوله وتؤكد عليه الدوريات الأكاديمية والإعلامية والسياسية الغربية، ومنهم الرئيس الفرنسي ماكرون والأمين العام للأمم المتحدة الذين أشاروا لذلك آخيرا.
وإذا أردنا أن نحدد شيفرة حقبة ترمب بدقة، فنقول إنّها شيفرة خماسية الأركان، تبدأ بمفهوم ونموذج صدام الحضارات الذي قال به برنارد لويس وهنغتنغتن، وتحمل معها شعار بوش الإبن من معنا ومن ضدنا، وشروط ترمب أن “إدفع وأركب معنا”، و” إضرب بقوة أو تنح جانبا”، وتنتهي بال”Deja Vu”.
السعودية و إيران قرينان جيوسياسيين، متجاورين في الجغرافية و القدرات، مختلفين في نموذج الحكم و الإرادة و المواقف و المصالح، و في علاقة كل منهما بالمجتمع الدولي.
ولقد تحكم بعلاقة كل منهما بالآخر قاعدة ألاّ صراع دون تغيير و لا إستراتيجية دون صراع، مُنذ تغير نموذج الحكم في إيران من نموذج ملكي تقليدي يؤمن بالدولة الأمة، الى نموذج ديني ثوري عابر للحدود.
و قد كان و لم يزل هذا الصراع الإستراتيجي، صراعا غير مباشر و مُدار بنفس الوقت بعوامل اللادولة الدينية المسلحة وغير المسلحة العابرة للحدود، التي توظفها إيران ضد السعودية، فتواجهها السعودية بتحالفاتها الدولية.
حين نقارن عالم 1918 و 2018، نجد أنَّ هناك بعض من أوجه الشبه ومن أوجه المخالفة في المشهد العربي والشرق أوسطي والمشهد الدولي.
فحين إحتفل زعماء عالم 2018 بذكرى 100 عام لإنتهاء الحرب العالمية الاولى، إحتفلوا وهم يعيشون مؤشرات نهاية عالم مابين الحربين، و يهمّون ربما بدخول حقبة دولية جديدة، قد يغادرون بها عالم مابعد الحرب العالمية الثانية.
وقد برهن وجود بوتين الذي سرق بمكرٍ أضواء الإحتفال من ماكرون على هذا الإنتقال المحتمل، و عزَّز ترمب بتغريدته ضد ماكرون في يوم الاحتفال هذه ، سرقة بوتين للأضواء، وأكَّد مسلسل الإنتقال المحتمل من حقبة 2018 حين ربط بتغريدة واحدة عالم 1918 و 1939 و 2018.
فلندا إبنة بحر البلطيق وتعرف بالأرض المحايدة، عاصمتها هلسنكي، وقد منحها البلاشفة عام 1917 حق تقرير المصير ولم تنتمي للناتو، وقد جمعت الولايات المتحدة وروسيا بوثيقة إنفراج الحرب الباردة.
وقد تزايد اهتمام هلسنكي بتحولات وإضطرابات الشرق الأوسط، خلال السنوات الأخيرة، فانعكس في تدشين معاهد أكاديمية خاصة به، وترتيب زيارات وفود دبلوماسية وبرلمانية، وتنظيم أنشطة مع مراكز بحثية، وطرح وثائق لتسوية أزمات وتعميق التعاون مع أجهزة استخباراتية عربية.
و يُعدُّ الشرق الأوسط مُنذ نهاية الحرب العالمية الثانية و حتى الحرب السورية، مكان مناسب لهلسنكي كونه أسوأ بؤرة لعدم الإستقرار في العالم، فهو الإقليم الجيوسياسي الوحيد في العالم الذي لا يمتلك منظومة أمن و تعاون إقليمي.
وردت أربع مصطلحات في العنوان أعلاه، لكل منها تعريف و تعليل و تحليل في مسار و مصير الشرق الأوسط المقصود في إطار هذا المقال.
يتحدث هذا المقال عن صراعات أطراف الشرق الأوسط و تنافسها، و يبحث عن فرصة إنتقال صراع بعضها مع بعض الى مرحلة التنافس، و تنافس بعضها مع بعض الى حقبة التكامل.
أطراف الشرق الأوسط الكبرى هي إيران ولاية الفقيه، و تركيا و إسرائيل و المملكة العربية السعودية التي تضم اليها مصر و من معها من العرب.
يقع العراق شمال الخليج و إيران شرقه و مجلس التعاون غربه، و هو البلد الوحيد المجاور للطرفين، و نقطة التواصل الوحيدة بين العرب و إيران.
و لذلك مر صراع ضفتي الخليج مع العراق بثلاث تحالفات دولية و أربع حروب خليجية، و قد تنشب حرب خليجية خامسة، قبل أن يضع الصراع أوزاره.
و معادلات صراع الطرفين على العراق جديرة بالإهتمام و منها، إنهما تصارعا معه حين إختلف نظامه السياسي عنهما،
طوال آلاف السنين لاحظ البشر أن أسبابًا صغيرة يمكنها أن تُحدِث نتائج كبيرة غير متوقعة.
فما الذي يستطيع فعله أحد البشر، او رئيسا مثل ترمب، عندما يجد نفسه، على حين غرة، أمام مشكلات كثيرة ينبغي في ظلِّها إتخاذ قرار ما؟
هذا ما يواجهه ترمب اليوم و هو على راس النظام الدولي الذي يتعرض للتهديد، و كما للعلاقات الإنسانية تفاعلات و نظريات و قرارات و تداعيات، فللعلاقات الدولية تفاعلات و نظريات و قرارات و تداعيات .
يلاحظ علم العلاقات الدولية و يتنبأ بمسار ومصير العلاقات بين الدول التي تنتقل من نظام الى آخر كلما طرأ طارئ .
ويطرأ الطارئ اذا تغيرت أهداف رئيسة لوحدات النظام الدولي أو حدث تغير فى نمط الصراع بين و حدات النظام الدولي .
تقول نظرية المجموعة الصفرية-لإرث بريمر إنّ الفوضى و غياب القيادة العالمية واحتمالات الصدام الصفري، هي احدى حالات الطوارئ التي تصيب النظام الدولي.
من أجل أن نتلمس إتجاه بوصلة ترمب في الشرق الأوسط، لابد من التعرِّف على عقلية ترمب، منذ كان رجل صفقات تجارية و عقارية، قبل أن يكون رئيسا للولايات المتحدة الأميركية.
فقد نقل ترمب حقل العلاقات الدولية من حقل الصراعات و التحالفات، الى حقل الصفقات الدولية، و “خصخص فيه السياسة الخارجية للولايات المتحدة”، بمجرد وصوله للبيت الأبيض ك2 2017.
و خصخصة السياسة الخارجية و نقل حقل العلاقات الدولية الى “إدارة إعمال علاقات دولية”، قد يجعل إمكانية إنتقال العلاقة بين أميركا و الأطراف الدولية، حليفة كانت او منافسة او عدوة، من الصداقة للعداوة و بالعكس.
إن كان بوش الأب قد شكّل التحالف الدولي الأول لتحرير الكويت 1990، و صفع صدام حسين بإنذاره عبر جميس بيكر قبل تحرير الكويت، اذ قال له ،إن الكويت ستتحرر، لكن قرارك بالإنسحاب منها دون قيد، سيحدد مستقبل العراق؛
و إن كان بوش الإبن قد صفع صدام حسين بتصريحه قبل 48 ساعة حسين بإنذاره التنحي عن الحكم و مغادرة بغداد هو و نجليه في غضون 48 ساعة، أو إعلان الحرب، ثم شكّل الثاني لغزو العراق.
و إن كان اوباما قد صفعهم حين تأخر في الإستجابة لطلب المالكي بعد ظهور داعش، عقوبة على شروط إنسحاب 2011 و لتحالفه مع إيران، و فرضاً لشروط عودة جديدة، قبل أن يطرد المالكي و يأتي بالعبادي و يتشكل التحالف الدولي الثالث في أيلول 2014.
تتمثل محاور الصراع في العلاقات الدولية في تناقض المصالح أو القيم بين أطراف الصراع، و شمول الصراع للأفراد و الجماعات و الدول.
و صراع الأفراد الدول و الجماعات في الشرق الأوسط يدخل اليوم في لحظة فاصلة على أبواب أربعينية ثورة إيران، بعد إدراك الدول والجماعات تناقض مصالحهم وقيمهم مع إيران، وتقاربها المحتمل مع (إسرائيل)، التي يبدو أنها اصبحت رأس حربة ضد مليشيات إيران.
رأس حربة ضد مليشيات نظام وهلال إيران (الديني)، بعد أربعين سنة من ثورة إيران، بعد ان كانت اسرائيل رأس حربة ضد أفراد وجماعات ودول الهلال القومي العربي.
من أجل أن نتلمس إتجاه بوصلة ترمب في الشرق الأوسط، لابد من التعرِّف على عقلية ترمب، منذ كان رجل صفقات تجارية و عقارية، قبل أن يكون رئيسا للولايات المتحدة الأميركية.
فقد نقل ترمب حقل العلاقات الدولية من حقل الصراعات و التحالفات، الى حقل الصفقات الدولية، و “خصخص فيه السياسة الخارجية للولايات المتحدة”، بمجرد وصوله للبيت الأبيض ك2 2017.
الثورة إنكسار مؤقت لإحتكار الدولة للسلطة،لكنه إن طال أمده، فقد يشبه تمرد البحّارة على الربّان الذي ينتهي بكارثة، كما يقول أفلاطون.
“فالبحّارة يدّعون أن لكل منهم حق القيادة دون أن يتعلموا هذا الفن، فيُصاحب ذلك تصارع و إقتتال، ثم بعد نجاحهم تنفذ المؤن و ينحرف مسار السفينة”.
“و قد ورث أرسطو هذا الموقف تجاه الثورة من أستاذه أفلاطون، فخلص إلى أساليب الوقاية من الثورة و ضرورة الحفاظ على كيان الدولة”.
تستبعد هذه الورقة البحثية القصيرة أي مواجهة عسكرية محتملة بين إيران و أميركا، قبل إنفراط عقد الحرس الثوري، و عودة إيران للبند السابع، و فقدان إيران القُدرة على شن حرب خارجية.
كما تؤكد هذه الورقة إن عقوبات ترمب ضد إيران و وكلائها تستهدف تفكيك البُنية التحتية لأذرع الحرس الثوري في هلاله الإقليمي تمهيداً لإيجاد حُلفاء محليين للتحالف الدولي.
و إنّ دمشق و هي واسطة محور المقاومة الإيراني، قد تكون أول العواصم الأربعة(طهران، بغداد، دمشق، بيروت) لإنفراط عقد الحرس الثوري، تمهيداً لسيناريو يشبه سيناريو لُبنان ١٩٨٢.
تكمُن مُعضلة إيران أنها تعيش بنظام قرواوسطي مع هيمنة المرشد و حرسه الثوري، القادر لحد الان على إفشال أي ثورة او إنقلاب او تغيير للنظام.
كما إن هذه الهيمنة قد جعلت إيران ليس فقط غير قابلة للتغيير ، بل عُرضةً للتفتت ايضاً، مع أي محاولة محتملة لتغيير النظام، خاصة مع وجود أقليات دينيه و عرقيه قمعها ملالي إيران كما فعل الشاه من قبل.
إضافة الى إن تغيير أي نظام سياسي قد ينطوي على نتائج غير مؤكده، اذ لا يمكن لأي طرف التنبؤ بنتائج أي تغيير نجاحاً أو فشلاً، خاصة اذا كان الحديث عن نظام مثل نظام ملالي إيران.
هل يتجه لاستقالة الحكومة و انتخابات مبكرة، ام لحل امني وحوافز مالية؟ ام يكرر سيناريو سامراء وداعش؟ ام ان لدى العراق بقية جيش قادر على استلام زمام المبادرة؟
عجز الجيش العراقي (بخلاف لبنان حتى الان) عن حماية شباب تظاهر سلميا، فقُتلوا بدم بارد، وهذا القمع قد يشتد ضراوة بعد ٢٥ -١٠. هناك عوامل عديدة تلعب في صالح الحكومة التي لاتريد ايران ولا حتى اميركا اسقاطها وما الإدانات العالمية الخجولة وزيارة فالح الفياض اثناء التظاهرات لاميركا الا دليل على ذلك.
لذلك يعدّ التغيير الجذري بعيد الاحتمال ،يؤيد ذلك ان زخم المظاهرات لا يشمل عموم العراق، وكذا قل في المتظاهرين الذين لم يملكوا بعد قيادة واضحة ولا اجندة محددة، وهم يكافحون بوجه مليشيات مدججة دموية وجاهزة للقتل. وقد تستمر المظاهرات لفترة أطول،حتى يتراجع نفوذ المرجعية واحزاب السلطة، و تفرز مطالب واضحة، او تحصل انشقاقات في السلطة، وتتصاعد الإدانات الدولية.
من المستحيل إحلال نخبة سياسية محل أُخرى وتغيير بوصلة الإتجاه في العراق، دون إشغال النُخبة الجديدة محل القديمة في بنية ومديات ومستويات السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. لكن هذا الإحلال قد يحتاج الى ثورة اوإنقلاب دموي او حرب هيكلية لم يعد مشهد العراق المحلي والإقليمي والدولي يسمح به. كما ان هذا الإحلال الذي بات حاجة ضرورية للعراق بحاجة الاّ يكون ايضا مشابه لمشهد حروب مُلاّك السلطة منذ مجلس الحكم حتى عادل عبد المهدي، اذ يتبادلون السلطة مع إستمرار نهجها الذي لم يعد المشهد يقبل به ايضا.